الحاصل عن البينة، لأنه مستفاد من طريق شرعها الله لعباده، ولم يتعبدنا بالظن الحاصل من القرينة، ولو كان الأمر كذلك لكانت الطرق المثمرة للعمل غير منحصرة، بل كلما أفاد الظن كان معمولا به، وهذا خرق لإجماع المسلمين. وقد أرشد الله عباده إلى ترك العمل بالظنون، ونهاهم عن اتباعه كما في كتابه العزيز، وما عمل به من الظنون كأخبار الآحاد، والحكم بالشهادة واليمين، فلكون دليل العمل به مخصصا لذلك العموم، لأنا نقول: قد عارضه ما هو أرجح منه، وهو استثباته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في الحدود استثباتا زائدا على استثباته في غيرها، حتى إنه كان يعرض عن الرجل بعد أن يسمع منه الإقرار بالزنا مرة بعد مرة، ثم يقول له بعد ذلك: صنعت كذا وكذا، ويأتي بألفاظ تدل على الوقائع بدون كناية، كقوله لماعز (?): "أفنكتها؟ " قال: نعم، وكقوله: "حتى غاب ذاك منك في ذاك منها كما يغيب المرود في المكحلة، والرشا في البئر؟ " قال: نعم. وربما استثبت فسأله عن عقله، أو سأل قومه عن ذلك، كما في حديث ماعز (?) أنه قال له: "أبك جنون؟ " وقوله للسارق (?) "ما أخالك سرقت".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015