وَاقِعَاتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا بَيْتُ نَارٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ انْهَدَمَتْ بِيَعَةٌ، أَوْ كَنِيسَةٌ مِنْ كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ، فَلَهُمْ أَنْ، يَبْنُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ نُحَوِّلُهَا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ بَلْ يَبْنُونَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى قَدْرِ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ، وَيُمْنَعُونَ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمُرَادُ مِنْ الْقَدِيمَةِ مَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ الْإِمَامِ بَلَدَهُمْ وَمُصَالَحَتِهِمْ عَلَى إقْرَارِهِمْ عَلَى بَلَدِهِمْ، وَعَلَى دِينِهِمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ لَا مَحَالَةَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
إذَا كَانَتْ لَهُمْ كَنِيسَةٌ فِي قَرْيَةٍ، فَبَنَى أَهْلُهَا فِيهَا أَبْنِيَةً كَثِيرَةً، وَصَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْصَارِ أُمِرُوا بِهَدْمِ الْكَنِيسَةِ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْعُشْرِ، وَعَلَى عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَا يُؤْمَرُونَ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا إذَا كَانَتْ لَهُمْ كَنِيسَةٌ بِقُرْبٍ مِنْ الْمِصْرِ، فَبَنَوْا حَوْلَهَا أَبْنِيَةً حَتَّى اتَّصَلَ الْمَوْضِعُ بِالْمِصْرِ، وَصَارَ كَمَحَلَّةٍ مِنْ مَحَالِّ الْمِصْرِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ طَلَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الصُّلْحَ عَلَى أَنْ يَصِيرُوا ذِمَّةً لَهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنْ اتَّخَذُوا مِصْرًا فِي أَرَاضِيِهِمْ لَمْ يَمْنَعُوهُمْ مِنْ أَنْ يُحْدِثُوا بِيَعَةً، أَوْ كَنِيسَةً، وَمِنْ أَنْ يُظْهِرُوا فِيهِ بَيْعَ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصَالِحُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ صَالَحُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الصُّلْحَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ يَكُونُوا ذِمَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ عَلَى أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُقَاسِمُوهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَمَدَائِنِهِمْ وَأَمْصَارِهِمْ وَقُرَاهُمْ، وَفِيهَا الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ وَبُيُوتُ النِّيرَانِ، وَفِيهَا بَيْعُ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ عَلَانِيَةً وَتَزْوِيجُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ عَلَانِيَةً، وَبَيْعُ الْمَيْتَةِ وَذَبَائِحِ الْمَجُوسِ عَلَانِيَةً، فَمَا كَانَ مِصْرًا، أَوْ مَدِينَةً، فَقَدْ صَارَ مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ يُجْمَعُ فِيهِ الْجُمَعُ وَتُقَامُ الْحُدُودُ فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا فِيهِ كَنِيسَةً وَلَا بِيعَةً وَلَا بَيْتَ نَارٍ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَبِيعُوا فِي ذَلِكَ خَمْرًا وَلَا خِنْزِيرًا وَلَا مَيْتَةً وَلَا ذَبِيحَةَ مَجُوسِيٍّ عَلَانِيَةً وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوا نِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ وَلَا سَائِرَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ عَلَانِيَةً وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ.
الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ وَبُيُوتُ النِّيرَانِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِصْرًا فَإِنَّهَا تُتْرَكُ عَلَى مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُخْرِجُونَ صُلْبَانَهُمْ خَارِجًا مِنْ كَنَائِسِهِمْ فَإِنْ انْهَدَمَتْ كَنِيسَةٌ مِنْ كَنَائِسِهِمْ هَذِهِ، أَوْ بَيْتُ النَّارِ أَعَادُوهُ كَمَا كَانَ أَوَّلًا، وَإِنْ قَالُوا نُحَوِّلُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَرَأَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ ذِمَّةً وَيَجْرِي عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ وَلَا يَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَهْلِ السَّوَادِ بِكُوفَةَ فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارُوا ذِمَّةً وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ بِنَاءِ كَنِيسَةٍ وَلَا بِيعَةٍ وَلَا بَيْتِ نَارٍ وَلَا بَيْعِ خَمْرٍ وَلَا خِنْزِيرٍ وَلَا إظْهَارِ جَمِيعِ مَا وَصَفْت لَك فِي قَوْلِهِمْ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً مِنْ بِلَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ قَهْرًا وَعَنْوَةً، ثُمَّ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ ذِمَّةً وَكَانَ