السَّارِقِ، وَلِذَلِكَ إذَا سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ عَشْرَةِ أَنْفُسٍ مِنْ كُلِّ نَفْسٍ دِرْهَمٌ مِنْ بَيْتٍ، وَاحِدٍ يُقْطَعُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحِرْزُ، وَاحِدًا، فَلَوْ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مَنْزِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا قَطْعَ، وَالْبُيُوتُ مِنْ دَارٍ، وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ بَيْتٍ، وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ عَشْرَةِ أَنْفُسٍ فِي دَارٍ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ مِنْ كُلِّ، وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا قُطِعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً، وَفِيهَا حُجَرٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ مَرَّةً، وَاحِدَةً فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ ثُمَّ دَخَلَ، وَأَخْرَجَ بَاقِيَهُ لَا يُقْطَعُ، كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
وَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ، وَخَرَجَ لَا يُقْطَعُ، وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَتَغَوَّطَهُ بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ فِي السَّرِقَةِ يُقْطَعُ الرِّدْءُ، وَالْمُبَاشِرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ كَانُوا جَمْعًا، وَالسَّارِقُ بَعْضَهُمْ قُطِعُوا إنْ أَصَابَ كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابٌ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ سَوَاءٌ خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ بَعْدَهُ فِي فَوْرِهِ، أَوْ خَرَجَ هُوَ بَعْدَهُمْ فِي فَوْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ مَعْتُوهٌ، أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ أَحَدٌ، كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ مَاتَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، فَوَرِثَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا السَّارِقَ فِي سَرِقَتِهِ، فَإِنْ غَابَ بَعْضُهُمْ لَمْ يُقْطَعْ السَّارِقُ حَتَّى يَحْضُرُوا جَمِيعًا، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ فَأَخَذَ سَارِقًا قَدْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ مُوَكِّلِهِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمَالِ، وَلَا أَقْطَعُهُ، وَلَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ بِالْعَشَرَةِ لَمْ أَقْطَعْهُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ الْعَبْدُ، وَالْحُرُّ سَوَاءٌ فِي الْقَطْعِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
السَّرِقَةُ إنَّمَا تَظْهَرُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِالْإِقْرَارِ، فَإِنْ كَانَ ظُهُورُهَا بِالْإِقْرَارِ، فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ، فَإِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُ عَنْ الْمَسْرُوقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، فَإِنْ بَيَّنَ جِنْسَ الْمَالِ يَسْأَلُهُ عَنْ مِقْدَارِ الْمَالِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَيَدَّعِيهِ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، فَأَقَرَّ السَّارِقُ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى السُّؤَالِ عَنْ الْمَسْرُوقِ، وَعَنْ مِقْدَارِهِ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى الْمَسْرُوقِ فَإِنْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْقَطْعِ بِسَرِقَتِهِ، أَوْجَبَهُ، وَمَا لَا فَلَا ثُمَّ يَسْأَلهُ كَيْفَ سَرَقَ ثُمَّ يَسْأَلُهُ عَنْ الْمَكَانِ، وَلَا يَسْأَلُهُ عَنْ الْوَقْتِ، وَإِنْ احْتَمَلَ تَقَادُمَ الْعَهْدِ ثُمَّ يَسْأَلُهُ عَنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْآنَ يَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ، وَيَكْتَفِي بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً، وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ حَتَّى لَا يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، وَإِذَا رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ صَحَّ فِي الْقَطْعِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَالِ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
وَلَوْ أَقَرَّ فَقَالَ سَرَقْت مِنْ هَذَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ: وَهِمْت إنَّمَا سَرَقْت مِنْ الْآخَرِ لَا يُقْطَعُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْأَوَّلِ، وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ لِلثَّانِي، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ أَقَرَّ بِبَعْضِ الْمَالِ، فَلَا يُقْطَعُ، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ.
فِي الْقُدُورِيِّ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ فَقَالَ سَرَقْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ، أَوْ قَالَ لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا لَمْ يُقْطَعْ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلَانِ أَقَرَّا بِسَرِقَةِ مِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَا يُقْطَعُ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيَسْتَوِي إنْ قَالَ أَحَدُهُمَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ لِلِاسْتِيفَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ شَبَهًا بِالْقَضَاءِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا فَقَالَ سَرَقْت أَنَا، وَفُلَانٌ هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ، وَجَعَلَهَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ صَدَّقَهُ الْآخَرُ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يُقْطَعَانِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ أَنْ كَذَّبَهُ الْآخَرُ، فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَسْرِقْ أَنَا، وَالثَّوْبُ ثَوْبُنَا، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ