كتاب الأيمان وفيه اثنا عشر بابا

الباب الأول في تفسير الأيمان شرعا وركنها وشرطها وحكمها

[كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَفِيهِ اثْنَا عَشَرَ بَابًا] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَيْمَانِ شَرْعًا وَرُكْنِهَا وَشَرْطِهَا وَحُكْمِهَا]

الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهَا شَرْعًا وَرُكْنِهَا وَشَرْطِهَا وَحُكْمِهَا (أَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا) فَالْيَمِينُ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ قَوِيَ بِهِ عَزْمُ الْحَلِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ.

وَهِيَ نَوْعَانِ: يَمِينٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَتِهِ، وَيَمِينٌ بِغَيْرِهِ، وَهِيَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ كَذَا فِي الْكَافِي.

(أَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ فَنَوْعَانِ) : أَحَدُهُمَا الْيَمِينُ بِالْآبَاءِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ، وَالْكَعْبَةِ، وَالْحَرَمِ، وَزَمْزَمَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

، وَالثَّانِي الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ، وَهَذَا النَّوْعُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: يَمِينٌ بِالْقُرَبِ، وَيَمِينٌ بِغَيْرِ الْقُرْبِ أَمَّا الْيَمِينُ بِالْقُرَبِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ، أَوْ صَلَاةٌ، أَوْ حَجَّةٌ، أَوْ عُمْرَةٌ، أَوْ بَدَنَةٌ، أَوْ هَدْيٌ، أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ الْقُرَبِ فَهِيَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(وَأَمَّا رُكْنُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ) فَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ، أَوْ صِفَتِهِ، وَأَمَّا رُكْنُ الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ فَذِكْرُ شَرْطٍ صَالِحٍ، وَجَزَاءٍ صَالِحٍ كَذَا فِي الْكَافِي

وَالشَّرْطُ الصَّالِحُ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، وَالْجَزَاءُ الصَّالِحُ مَا يَكُونُ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ، أَوْ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ، أَوْ إلَى سَبَبِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَالْوَكَالَةِ، وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَقَدْ، وَكَّلْتُك، أَوْ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَكَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.

(وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى) فَفِي الْحَلِفِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا، فَلَا يَصِحُّ يَمِينُ الْمَجْنُونِ، وَالصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَلَا يَصِحُّ يَمِينُ الْكَافِرِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ الْكَافِرُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَيَبْطُلُ الْيَمِينُ بِالرِّدَّةِ فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.

وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَتَصِحُّ يَمِينُ الْمَمْلُوكِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصَّوْمِ، وَكَذَا كُلُّ صَوْمٍ، وَجَبَ لِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مِنْ الْعَبْدِ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ، وَلَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، وَكَذَا الطَّوَاعِيَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا فَتَصِحُّ مِنْ الْمُكْرَهِ، وَكَذَا الْجِدُّ، وَالْعَمْدُ فَتَصِحُّ مِنْ الْخَاطِئِ، وَالْهَازِلِ عِنْدَنَا.

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً عِنْدَ الْحَلِفِ، وَهُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَلَا تَنْعَقِدُ عَلَى مَا هُوَ مُسْتَحِيلُ الْوُجُودِ حَقِيقَةً، وَلَا تَبْقَى إذَا صَارَ بِحَالٍ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ عَادَةً بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَنْعَقِدَ عَلَى مَا يَسْتَحِيلَ وُجُودُهُ عَادَةً بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً.

وَأَمَّا فِي نَفْسِ الرُّكْنِ فَخُلُوُّهُ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ أَنْ يَقُول: إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ: إلَّا أَنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، أَوْ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي غَيْرُ هَذَا، أَوْ: إلَّا أَنْ أَرَى، أَوْ: إلَّا أَنْ أُحِبَّ غَيْرَ هَذَا، أَوْ قَالَ: إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ، أَوْ: يَسَّرَ اللَّهُ، أَوْ قَالَ: بِمَعُونَةِ اللَّهِ، أَوْ: تَيْسِيرِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَوْصُولًا لَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا انْعَقَدَتْ.

وَأَمَّا فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَفِي الْحَالِفِ كُلُّ مَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ فَهُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهِمَا، وَمَا لَا فَلَا.

وَفِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَكُونُ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ يَمِينًا بَلْ تَنْجِيزًا حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ فَوْقَنَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، وَفِي الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهِ، وَعَتَاقِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ، أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ، أَوْ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَفِي نَفْسِ الرُّكْنِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى: وَلَوْ قَالَ: إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ، أَوْ: بِمَعُونَةِ اللَّهِ، وَأَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ مُسْتَثْنِيًا فِيمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015