قَالَ) إنْ جَعَلَ لِبِنْتٍ لَهُ صَغِيرَةٍ شَيْئًا إمَّا مَتَاعًا أَوْ حُلِيًّا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَرِضَ وَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنْ لَا يُسَلِّمُوا لَهَا ذَلِكَ، قَالَ: أَمَّا مَا كَانَ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ يَدْفَعُهُ سِرًّا إلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَيُعْلِمُهُ أَنَّ ذَلِكَ لِابْنَتِهِ فُلَانَةَ وَيُوصِي إلَيْهِ بِأَنْ يَحْفَظَ لَهَا ذَلِكَ، فَإِذَا كَبِرَتْ دَفَعَهُ إلَيْهَا، وَأَمَّا الدَّارُ وَالضَّيْعَةُ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً لِلْمَرِيضِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ بِالْعَقَارِ مَا فَعَلَ بِالْمَنْقُولِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ مَالًا سِرًّا وَيَقُولَ لَهُ: هَذَا الْمَالُ مَالُ ابْنَتِي فُلَانَةَ فَاشْتَرِ هَذَا الْعَقَارَ مِنِّي لِابْنَتِي فُلَانَةَ بِهَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَبِيعُ الْعَقَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ، وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ الرَّجُلُ عِنْدَ الشِّرَاءِ: اشْتَرَى هَذِهِ الضِّيَاعَ لِابْنَةِ هَذَا.
وَكَذَلِكَ لَا يَقُولُ الْمَرِيضُ عِنْدَ الْبَيْعِ: بِعْت لِابْنَتِي، بَلْ يُطْلِقَانِ الْكَلَامَ إطْلَاقًا فَإِذَا كَبِرَتْ الِابْنَةُ فَالْمُشْتَرِي يَدْفَعُ الضِّيَاعَ إلَيْهَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَصْلِ أَنَّ مَنْ جَهَّزَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَرِضَ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى رَجُلٍ سِرًّا لِيَحْفَظَ لِابْنَتِهِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا هَلْ يَحِلُّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ؟ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصَدِّقُ أَبَا الصَّغِيرَةِ أَنَّ هَذَا مِلْكُ الصَّغِيرَةِ فَكَذَلِكَ لَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ الرَّجُلَ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَيَبْطُلَ بِهِ حَقُّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، إلَّا أَنَّ الْخَصَّافَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَشَارَ فِي فَصْلِ الْحُلِيِّ وَالْمَتَاعِ أَنَّهُ يَحِلُّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ، فَإِنْ خَافَ الْأَجْنَبِيُّ أَنْ تَلْزَمَهُ يَمِينٌ إنْ كَانَ الْمَرِيضُ وَهَبَ الثَّمَنَ مِنْ ابْنَتِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَى لَهَا بِذَلِكَ الْمَالِ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِي يَمِينِهِ شَيْءٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ الْمَرِيضُ مِنْ إنْسَانٍ مَالًا ثُمَّ وَهَبَهُ لِابْنَتِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى الرَّجُلِ حَتَّى اشْتَرَى الضِّيَاعَ مِنْهُ لِابْنَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فِي يَمِينِهِ شَيْءٌ، عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَكُونُ هُوَ بِالْحَلِفِ بِالشِّرَاءِ حَانِثًا، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذِهِ الْحِيلَةُ تَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِمَا.
فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ وَمِنْ وَكِيلِ وَارِثِهِ لَا يَصِحُّ، فَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الْحِيلَةُ عِنْدَهُ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ دَارٌ أَوْ ضِيَاعٌ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ وَخَافَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لِلْوَارِثِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيٍّ: هَذِهِ الدَّارُ دَارُك، وَيَقُولَ الْأَجْنَبِيُّ: هَذِهِ الدَّارُ لِوَارِثِك فُلَانٍ وَلَيْسَتْ لِي.
(قَالَ) وَإِذَا كَانَ لِامْرَأَةِ الْمَرِيضِ أَوْ لِوَارِثٍ آخَرَ عَلَى الْمَرِيضِ دِينُ مِائَةِ دِينَارٍ فَخَافَ الْمَرِيضُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِلْوَارِثِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَجِيءَ رَبُّ الدَّيْنِ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ فَيُقِرَّ الْمَرِيضُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ أَنَّ وَارِثَهُ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الْمِائَةِ الدِّينَارِ الَّتِي لَهُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَيَقُولَ: قَبَضْت هَذِهِ الْمِائَةَ الدِّينَارَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ لِوَارِثِي فُلَانٍ، ثُمَّ يُنْكِرَ وَارِثُهُ الْوَكَالَةَ وَيَرْجِعَ وَارِثُهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَإِذَا رَجَعَ كَانَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَرِيضِ، فَإِنْ خَافَ الرَّجُلُ أَنْ تَلْزَمَهُ الْيَمِينُ فَالْوَجْهُ أَنْ يَبِيعَ الْوَارِثُ مِنْهُ شَيْئًا بِمَالِهِ كَمَا وَصَفْنَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.