يُقِرَّ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَ الدَّارِ بِالثَّمَنِ لِلْبَائِعِ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِحَقٍّ، وَالْإِقْرَارُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ هَلْ يَنْقُلُ الْمِلْكَ أَوْ لَا يَنْقُلُ؟ فِيهِ كَلَامٌ عُرِفَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَهَذَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ.

(وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ) أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا مِنْ الدَّارِ وَيَخُطَّ خَطًّا وَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِطَرِيقِهِ أَوْ يَهَبَهُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِطَرِيقِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ بَقِيَّةَ الدَّارِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَخُطَّ خَطًّا كَيْ لَا تَكُونَ هَذِهِ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ فِي هَذِهِ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ شَرِيكًا وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِطَرِيقَةِ صَارَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ جَارًا لِلدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ إنَّمَا تَكُونُ حِيلَةً لِإِبْطَالِ حَقِّ الْجَارِ لَا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْخَلِيطِ. (وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ) مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَهَبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الدَّارِ مِنْ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَ الدَّارِ، ثُمَّ يَتَرَافَعَانِ إلَى الْحَاكِمِ الَّذِي يَرَى جَوَازَ هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَيُجَوِّزُهَا، ثُمَّ لَا يُبْطِلُهَا قَاضٍ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ قَاضٍ فِي شَيْءٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، حَتَّى لَوْ كَانَ شَيْئًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ نَحْوَ الْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَانُوتِ يَهَبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الَّذِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ ثُمَّ يَبِيعُ الْبَاقِيَ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ ذَكَرَ حِيلَةً لِرَغْبَتِهِ عَنْ الْأَخْذِ، (فَقَالَ) : يَشْتَرِي الْبِنَاءَ أَوَّلًا بِثَمَنٍ رَخِيصٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الْعَرْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِصَفْقَةٍ أُخْرَى بِثَمَنٍ غَالٍ، فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلِيٌّ وَلَا يَرْغَبُ فِي أَخْذِ الْعَرْصَةِ لِكَثْرَةِ ثَمَنِهَا. وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْبِنَاءَ بِأَصْلِهِ حَتَّى صَارَ مَا تَحْتَ الْجِدَارِ لَهُ يَكُونُ هُوَ شَرِيكًا فِي الدَّارِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْجَارِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ. (وَمِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ) إذَا وَهَبَ الْبِنَاءَ مِنْ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَ الدَّارِ بِأَصْلِهِ ثُمَّ اشْتَرَى الْعَرْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَهَبَ الْبِنَاءَ بِأَصْلِهِ صَارَ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَصَارَ هُوَ شَرِيكًا فِي الدَّارِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْجَارِ. (وَفِي الْكُرُومِ وَالْأَرَاضِي) إنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ يَبِيعُ الْأَشْجَارَ بِأَصْلِهَا أَوْ يَهَبُ الْأَشْجَارَ بِأَصْلِهَا فَيَصِيرُ هُوَ شَرِيكًا ثُمَّ يَشْتَرِي الْبَاقِيَ وَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لِرَغْبَتِهِ عَنْ الْأَخْذِ يَبِيعُ الْأَشْجَارَ أَوَّلًا بِثَمَنٍ رَخِيصٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الْأَرَاضِيَ مِنْهُ بِثَمَنٍ غَالٍ. (حِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَشْتَرِيَ سَهْمًا مِنْ الدَّارِ بِثَمَنٍ غَالٍ فِي صَفْقَةٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكُونُ لِلْجَارِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِي الصَّفْقَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرِيكٌ فِي الدَّارِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الصَّفْقَةِ الثَّانِيَةِ، إنَّمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الصَّفْقَةِ الْأُولَى وَهُوَ لَا يَرْغَبُ فِيهَا لِمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى ذَلِكَ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَخَافُ أَنْ لَا يَبِيعَنِي الْبَائِعُ الْبَاقِيَ لَوْ اشْتَرَيْت مِنْهُ هَذَا السَّهْمَ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِسَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ مُشَاعٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ.

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُخَطِّئُ الْخَصَّافَ فِي فَصْلِ إقْرَارِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِسَهْمٍ مِنْ الدَّارِ وَكَانَ يُفْتِي بِوُجُوبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015