الرِّبَاطِ وَقْفًا آخَرَ يُجِيرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَفَ لِذَلِكَ وَقْفًا آخَرَ يَكْتُبُ عَلَى أَنَّ لِلْقَوْمِ أَبَدًا أَنْ يُؤَاجِرُوا مِنْ مَنَازِلِهَا وَمَرَابِطِهَا بِقَدْرِ مَا يَعْمُرُونَهَا مِنْ غَلَّتِهَا، فَإِذَا عَمَّرُوهَا رُدَّتْ إلَى مَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ هَذَا الْوَقْفِ عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ فِي اخْتِيَارِ مَا يُؤَاجِرُونَهُ إلَى الْقَوَّامِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَا يَسْكُنُهَا، ثُمَّ يَكْتُبُ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْوَاقِفُ هَذَا الْمَوْقُوفَ مِنْ يَدِهِ وَأَفْرَزَهُ مِنْ مَالِهِ وَسَلَّمَهَا إلَى فُلَانٍ بَعْدَمَا جَعَلَهُ مُتَوَلِّيًا لِذَلِكَ لِيُوَلِّيَهَا عَلَى سَبِيلِهَا مَا شَاءَ وَيُوَلِّيَهَا مَنْ أَحَبَّ مِمَّنْ يَصْلُحُ لَهَا، وَيُوصِيَ بِهَا إلَى مَنْ أَحَبَّ وَقَبَضَهَا عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ بِتَسْلِيمِ جَمِيعِ ذَلِكَ إلَيْهِ فَارِغًا مِنْ مَوَانِعِ التَّسْلِيمِ وَهِيَ فِي يَدِ هَذَا الْمُتَوَلِّي عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُسَمَّاةِ فِيهِ لَا يَحِلُّ لِوَالٍ أَوْ قَاضٍ وَلَا قَيِّمٍ وَلَا ذِي سُلْطَانٍ تَغْيِيرُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ وَلَا تَبْدِيلُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِإِثْمِهِ وَتَعَرَّضَ لِسَخَطِ رَبِّهِ وَاَللَّهُ حَسْبُهُ وَكَافِيهِ وَمُجَازِيهِ، وَلِلْوَاقِفِ أَجْرُهُ عَلَى مَا نَوَى وَأَمْضَى وَقَدْ حَكَمَ حَاكِمٌ عَدْلٌ نَافِذُ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِجَوَازِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلُزُومِهَا عَلَى وَجْهِهَا بِخُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ جَرَتْ بَيْنَ هَذَا الْوَقْفِ وَبَيْنَ خَصْمٍ فِيهِ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِجَوَازِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلُزُومِهَا بِحَضْرَتِهِ وَمَسْأَلَتِهِ عَمَلًا بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ مَجْمُوعَةً مِنْ الْعُدُولِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا أَسَامِيَهُمْ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ كَذَا.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي اتِّخَاذِ الْمَقْبَرَةِ) فَنَقُولُ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَلْزَمُ حَتَّى كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَرَوَى الْحَسَنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ الْمَيِّتُ وَيَرْجِعُ فِيمَا سِوَاهُ، وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ أَبِي نَصْرٍ الْمَهْرَويِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: وَجَدْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ جَازَ وَقْفُ الْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ دُونَ سَائِرِ الْأَوْقَافِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ الْمَقْبَرَةِ وَاشْتِرَاطُ التَّسْلِيمِ فِيهَا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّسْلِيمِ فِيهَا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي أَوْ بِدَفْنِ الْمَوْتَى فَإِنْ أَرَادَ كِتَابَتَهُ يَكْتُبُ أَنَّ فُلَانًا جَعَلَ أَرْضَهُ وَيَذْكُرُ مَوْضِعَهَا وَحُدُودَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً صَدَقَةً وَقْفًا صَحِيحًا جَائِزًا نَافِذًا إلَى قَوْلِنَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَجَعَلَهَا مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ يَدْفِنُونَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ أَبَدًا لَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا وَقَدْ أَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يَدْفِنُوا فِيهَا مَوْتَاهُمْ فَدَفَنَ طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ بَعْدَمَا عَلِمُوا بِسَبِيلِهَا وَأَذِنَ لَهُمْ بِالدَّفْنِ فِيهَا فَصَارَتْ مَقْبَرَةَ الْمُسْلِمِينَ مَقْبُوضَةً لَهُمْ عَلَى مَا جَعَلَهَا الْوَاقِفُ.
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَدَفَنَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا مَوْتَاهُمْ وَإِنَّمَا كَتَبَ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ الْأَرْضَ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهَا فِي يَدِ فُلَانٍ الْمُتَوَلِّي لِتَكُونَ فِي يَدِهِ عَلَى مَا جَعَلَهَا هَذَا الْوَاقِفُ؛ كَفَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ حَتَّى يَصِيرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إبْطَالِهِ وَوَجْهُ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُرْفَعَ الْمَالِكُ مِنْ دَفْنِ مَيِّتِهِ فِيهِ وَيُسْأَلُ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِتَفْرِيغِ أَرْضِهِ لِمَا أَنَّ هَذَا الْوَقْفَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي الْمَالِكَ بِقَصْرِ يَدِهِ عَنْهُ وَيْحُكُمْ بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ فَيَكْتُبُ الْكَاتِبُ وَقَدْ حَكَمَ حَكَمٌ عَدْلٌ نَافِذُ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِجَوَازِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلُزُومِهَا عَلَى وَجْهِهَا بَعْدَ خُصُومَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ جَرَتْ فِيهَا بَيْنَ هَذَا الْوَاقِفِ وَبَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دَفَنُوا مَوْتَاهُمْ فِيهَا لَمَّا أَرَادَ الْوَاقِفُ هَذَا الرُّجُوعَ عَنْ وَقْفِهَا أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ لَازِمًا فَحَكَمَ عَلَى الْوَاقِفِ هَذَا بِلُزُومِهِ فِي وَجْهِهِ بِحَضْرَةِ خَصْمِهِ إذْ رَآهُ لَازِمًا وَوَقَعَ