قَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ، وَلَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ فِيمَا بَيَّنَ النَّاسُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ النُّدْرَةِ وَمَا كَانَ نَادِرًا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى رَجُلَيْنِ صَدَاقَ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا) وَصُورَتُهُ أَنَّ الْمُسَمَّاةَ فُلَانَةَ التُّرْكِيَّةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ لِهَذِهِ التُّرْكِيَّةِ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ مِنْ صَدَاقِهَا كَذَا، وَهَكَذَا أَقَرَّ هُوَ وَجَاءَ بِشُهُودٍ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالصَّدَاقِ الْمَذْكُورِ لِلتُّرْكِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمُزَوِّجِ.
وَهَذَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْجَارِيَةَ صَارَتْ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِمَا، إمَّا بِالْإِرْثِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّزْوِيجَ كَانَ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، فَإِنْ كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْوَاهِبِ أَوْ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ كَانَ الصَّدَاقُ لَهُ لَا لِهَذَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ مُورِثِهِمَا فَالصَّدَاقُ يَجِبُ لِلْمُورِثِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَجِبُ لِلْوَارِثِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ حَقِّ الْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّهُمَا قَالَا لَهَا عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ كَذَا، وَالصَّدَاقُ يَجِبُ لِمَالِكِهَا لَا لَهَا، وَلِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهَا بِالصَّدَاقِ عَلَى نَفْسِهِ، أَمَّا مَا شَهِدُوا بِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً لِهَذَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ وَمَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْحُجَّةِ كَوْنُهَا مَمْلُوكَةً لِلْمُدَّعِيَيْنِ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إلَيْهِمَا.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى صَبِيٍّ) فَرُدَّ بِعِلَّةِ أَنَّ دَعْوَى الصَّبِيِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ، أَمَّا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا، وَإِنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَجَوَابُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ
(مَحْضَرٌ) فِيهِ دَعْوَى رَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَكَزَهُ خَطَأً وَأَصَابَ وَجْهَهُ وَانْكَسَرَ مِنْ شِدَّةِ ضَرْبِهِ ثَنِيَّةٌ مِنْ ثَنَايَاهُ الْيُمْنَى مِنْ الْأَصْلِ وَوَجَبَ لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَطَالَبَهُ بِالْجَوَابِ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّ الضَّرْبَ إذَا كَانَ خَطَأً فَمُوجِبُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا عَلَى الضَّارِبِ وَحْدَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا أَنَّ الضَّارِبَ، هَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَاقِلَةِ؟ وَالِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الضَّارِبِ ابْتِدَاءً، وَالْعَاقِلَةُ يَحْمِلُونَ عَنْهُ، أَوْ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً، وَالثَّانِي - أَنَّ الضَّارِبَ، هَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا تَسْتَقِيمُ دَعْوَى مُطَالَبَتِهِ بِجَمِيعِ الْمُوجِبِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الضَّمَانِ) وَرُدَّ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَالَ فِي دَعْوَاهُ: وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ ضَمِنَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ فِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ ضَمِنَ لِي، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ لِتَصِحَّ مُطَالَبَةُ الْمُدَّعِي إيَّاهُ بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَلَلٍ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى دَفْعِ الدَّفْعِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَصُنُوفًا مِنْ الْأَمْوَالِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى ابْنِ الْمَيِّتِ أَنَّ أَبَا هَذَا مَاتَ، وَقَدْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقِ كَذَا، وَمَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَيْهَا وَخَلَّفَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي يَدِ هَذَا الِابْنِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهَا تَفِي بِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الصَّدَاقِ وَزِيَادَةً وَأَنْكَرَ الِابْنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى أَبِيهِ صَدَاقٌ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَادَّعَى الِابْنُ عَلَيْهَا فِي دَفْعِ دَعْوَاهَا أَنَّكِ أَبْرَأْتِ أَبِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الِابْنِ فِي دَفْعِ دَعْوَاهُ الدَّفْعَ أَنَّكَ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَى الْإِبْرَاءِ لِمَا أَنَّكَ طَلَبْتُ مِنِّي الصُّلْحَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيكَ عَلَى كَذَا وَكَذَا.
فَقِيلَ: لَا شَكَّ أَنَّ دَفْعَ الِابْنِ دَعْوَاهَا صَحِيحٌ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ إنْكَارِ الصَّدَاقِ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَى الْأَبِ الصَّدَاقُ، وَلَكِنْ لَمَّا ادَّعَتْ شَفَعْنَا إلَيْهَا حَتَّى تُبْرِئَهُ فَأَبْرَأَتْهُ فَأَمَّا دَفْعُ الدَّفْعِ فَيُنْظَرُ إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَبَ مِنِّي الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَايَ لَا يَصْلُحُ