وَكَذَلِكَ كُلُّ جِرَاحَةٍ كَانَتْ مِنْ اثْنَيْنِ مَعًا جِرَاحَةُ هَذَا فِي عُضْوٍ، وَجِرَاحَةُ هَذَا فِي عُضْوٍ آخَرَ يَسْتَغْرِقُ ذَلِكَ الْقِيمَةَ كُلَّهَا، فَإِنَّهُ يَدْفَعُهُ إلَيْهِمَا، وَيَغْرَمَانِ قِيمَتَهُ عَلَى قَدْرِ أَرْشِ جِرَاحَتِهِمَا، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا، وَالْجِرَاحَةُ خَطَأٌ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُ جِرَاحَتِهِ عَلَى حِدَةٍ مِنْ قِيمَةِ عَبْدٍ صَحِيحٍ، وَمَا بَقِيَ مِنْ النَّفْسِ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ إحْدَى الْجِرَاحَتَيْنِ قَبْلَ الْأُخْرَى، وَقَدْ مَاتَ مِنْهُمَا، فَعَلَى الْجَارِحِ الْأَوَّلِ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ مِنْ قِيمَتِهِ صَحِيحًا، وَعَلَى الْجَارِحِ الثَّانِي أَرْشُ جِرَاحَتِهِ مِنْ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَةِ الْأُولَى، وَمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَعَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ بَرَأَ مِنْهُمَا، وَالْجِرَاحَةُ الْأَخِيرَةُ تَسْتَغْرِقُ الْقِيمَةَ، وَالْأُولَى لَا تَسْتَغْرِقُهَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ، وَعَلَى الثَّانِي قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ، وَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ يَعْنِي الْعَبْدَ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ الْأُولَى هِيَ الَّتِي تَسْتَغْرِقُ الْقِيمَةَ، فَعَلَى الْجَارِحِ الثَّانِي أَرْشُ جِرَاحَتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
جِنَايَةُ الْحُرِّ عَلَى الْمُدَبِّرِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْقِنِّ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ حُرٌّ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ غَرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهِ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي خَصْلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْحُرَّ إذَا قَطَعَ يَدَيْ مُدَبِّرٍ، أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ، فَقَأَ عَيْنَهُ غَرِمَ مَا نَقَصَهُ، وَفِي الْقِنِّ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ الْمُدَبِّرِ، وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَبَرَأَ، وَزَادَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ ثُمَّ، فَقَأَ عَيْنَهُ آخَرُ ثُمَّ انْتَقَضَ الْبُرْءُ، فَمَاتَ مِنْهُمَا، وَالْمُدَبَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَدِ، وَمَا حَدَثَ مِنْهَا، وَعَفَا الْآخَرُ عَنْ الْعَيْنِ، وَمَا حَدَثَ مِنْهَا، فَلِلَّذِي عَفَا عَنْ الْيَدِ عَلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ سَبْعُمِائَةٍ، وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ خَطَأً، وَفِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَلِلَّذِي عَفَا عَنْ الْعَيْنِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ ثَلَاثُمِائَةٍ، وَاثْنَا عَشْرَ، وَنِصْفٌ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ خَطَأً كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
رَجُلٌ شَجَّ عَبْدَ غَيْرِهِ مُوضِحَةً، فَدَبَّرَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ شَجَّهُ الشَّاجُّ مُوضِحَةً أُخْرَى ثُمَّ كَاتَبَهُ، فَشَجَّهُ أُخْرَى ثُمَّ أَدَّى الْمُكَاتَبُ، فَعَتَقَ، فَشَجَّهُ أُخْرَى، فَمَاتَ بِالْكُلِّ ضُمِّنَ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ صَحِيحًا بِالشَّجَّةِ الْأُولَى، وَيُغَرَّمُ نُقْصَانَهَا أَيْضًا إلَى أَنْ جَنَى الثَّانِيَةَ، وَيُغَرَّمُ بِالشَّجَّةِ الثَّانِيَةِ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا مَشْجُوجًا، وَنُقْصَانَهَا إلَى أَنْ كُوتِبَ، وَيُغَرَّمُ بِالثَّالِثَةِ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا مَشْجُوجًا بِشَجَّتَيْنِ، وَنُقْصَانَهُمَا إلَى أَنْ عَتَقَ، وَثُلُثَ قِيمَتِهِ مُذْ مَاتَ، وَبِالرَّابِعَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَلَا يُغَرَّمُ بِالشَّجَّةِ الَّتِي بَعْدَ الْعِتْقِ أَرْشًا، وَلَا نُقْصَانًا كَذَا فِي الْكَافِي وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَا يَهْدُرُ السِّرَايَةَ، وَتَكُونُ السِّرَايَةُ مَضْمُونَةً عَلَى الْجَانِي، وَالْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ تَهْدُرُ السِّرَايَةَ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْجَانِي ضَمَانُ السِّرَايَةِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْبَابُ الْخَامِسَ عَشْرَ فِي الْقَسَامَةِ) هِيَ الْأَيْمَانُ تُقْسَمُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهِمْ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَسَبَبُهَا وُجُودُ الْقَتِيلِ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الدَّارِ أَوْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْرَبُ مِنْ الْمِصْرِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ، وَادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا وَلِيَّهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَأَنْكَرَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ كُلُّ رَجُلٍ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ، وَلَا عَلِمْتُ لَهُ قَاتِلًا، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَالْخِيَارُ فِي التَّعْيِينِ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ إنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ رَجُلًا، وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ، فَإِنَّهُ يُكَرِّرُ الْيَمِينَ عَلَى بَعْضِهِمْ حَتَّى يُتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ حَلَفُوا غَرِمُوا الدِّيَةَ، وَإِنْ نَكَلُوا، فَإِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ حَتَّى يَحْلِفُوا، وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوا وَلِيَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْمَقْتُولِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَاهِدٌ لِلْمُدَّعِي بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمَقْتُولِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ ثُمَّ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى بَعْضِ أَهْل الْمَحَلَّةِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ.
فَكَذَا الْجَوَابُ تَجِبُ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا ادَّعَى عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِأَعْيَانِهِمْ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ قَسَامَةٌ، وَلَا دِيَةٌ، فَيُقَالُ لِلْمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَيْتَ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ أَقَامَهَا