شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ كِتَابِ الْحِيَلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَقَدْ أَجَابَ بِهَذَا فِي نَظَائِرِهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَالَ: الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا أُسِرَ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ فَوَجَدَهُ الْمُرْتَهِنُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَهْنٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ، وَأَخَذَهُ لَا يَكُونُ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِالرَّهْنِ.
وَإِذَا قَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ وَقَبَضْتَهُ مِنِّي، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتَنِي هَذَا الْعَبْدَ، وَقَبَضْتُهُ مِنْكَ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ وَالثَّوْبُ قَائِمَيْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَا هَالِكَيْنِ وَقِيمَةُ مَا يَدَّعِي الرَّاهِنُ أَنَّهُ رَهَنَهُ أَكْثَرَ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ.
وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتَنِي الْعَبْدَ وَالثَّوْبَ جَمِيعًا وَقَبَضْتُهُمَا مِنْكَ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: لَا بَلْ رَهَنْتُكَ الثَّوْبَ وَحْدَهُ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ.
وَإِذَا أَقَامَ الرَّاهِنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ، وَقَبَضَهُ مِنْهُ، وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ، وَلَا يَدْرِي مَا فَعَلَ بِالرَّهْنِ فَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْعَبْدِ كُلِّهَا، وَإِذَا ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ يُحْسَبُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ، وَادَّعَى الْمَوْتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الدَّيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ جُحُودٌ حَتَّى يَضْمَنَ الزِّيَادَةَ بِالْجُحُودِ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ الرَّهْنَ، وَجَاءَ بِعَبْدٍ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ، وَقَالَ: هُوَ هَذَا الْعَبْدُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الرَّهْنَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ، وَاَلَّذِي أَحْضَرَهُ لَيْسَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، فَالظَّاهِرُ يُكَذِّبُهُ فِيمَا قَالَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا جَحَدَ الرَّاهِنُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ فَادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدْيُونِ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدًا لَهُ وَقَبَضَهُ مِنْهُ، وَالْمَدْيُونُ يَجْحَدُ ذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي بِالرَّهْنِ بِبَيِّنَةِ رَبِّ الدَّيْنِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ يَدَّعِي الرَّهْنَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَرَبُّ الدَّيْنِ يَجْحَدُ، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالرَّهْنِ بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ يَقْضِي، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ هَالِكًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِبَيِّنَةِ الْمَدْيُونِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ جُحُودَ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَمِلَ فَسْخًا لِلرَّهْنِ فَيُجْعَلُ إنْكَارًا لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَيَتَمَكَّنُ الرَّاهِنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا أَقَامَ الرَّاهِنُ بَيِّنَةً عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ رَهَنَهُ رَهْنًا وَأَقْبَضَهُ، وَلَمْ يُسَمِّ الشُّهُودُ الرَّهْنَ، وَلَمْ يَعْرِفُوهُ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ الْمُرْتَهِنَ عَنْ الرَّهْنِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخٍ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: تَأْوِيلُهُ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ رَهَنَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَبَضَ أَمَّا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ رَهَنَ شَيْئًا مَجْهُولًا، وَقَبَضَ وَشَهِدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ الرَّهْنِ وَالْقَبْضِ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ، وَإِذَا أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ ذَا الْيَدِ هَذَا الثَّوْبَ، وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهُ ارْتَهَنَهُ مِنْهُ يُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَوْدَعَ أَوَّلًا ثُمَّ رَهَنَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُرَدُّ عَلَى الْإِيدَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْإِيدَاعُ لَا يُرَدُّ عَلَى الرَّهْنِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَأَقَامَ الْمُرْتَهِنُ بَيِّنَةً عَلَى الرَّهْنِ جَعَلْتُهُ بَيْعًا وَأَبْطَلْتُ الرَّهْنَ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ رُهِنَ أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ عَلَى الرَّهْنِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَوْ ادَّعَى الرَّاهِنُ الرَّهْنَ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ، وَقَبَضَهُ أَخَذْت بِبَيِّنَةِ الْهِبَةِ.
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ الشِّرَاءَ وَالْقَبْضَ، وَآخَرُ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ، وَهُوَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَخَذْتُ بِبَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الرَّهْنَ كَانَ قَبْلَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ جَعَلْتُهُ رَهْنًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ صَاحِبُ الشِّرَاءِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشِّرَاءَ كَانَ أَوَّلًا.
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، وَادَّعَى الْآخَرُ الصَّدَقَةَ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى الْقَبْضِ فَصَاحِبُ الرَّهْنِ أَوْلَى بِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ كَانَ مِنْ قَبْلَ الرَّهْنِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ أَوْ الْمُضَارِبُ هَلَاكَ الْمَالِ، وَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِمَا الِاسْتِهْلَاكَ، وَتَصَالَحَا، وَأَعْطَاهُ بِهِ رَهْنًا فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَضْمَنُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ التَّجْرِيدِ.
إذَا اسْتَوْدَعَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا ثُمَّ رَهَنَهُ إيَّاهُ ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَهُوَ فِيهِ مُؤْتَمَنٌ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يُثْبِتُ حُكْمَ يَدِ الرَّهْنِ لَهُ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ، فَإِنْ أَقَامَ الرَّاهِنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِالرَّهْنِ وَهَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ هَلَكَ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِلرَّهْنِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ