الْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْبَابِ تَصَرُّفَاتُ السَّكْرَانِ) وَاعْلَمْ بِأَنَّ جَمِيعَ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ نَافِذَةٌ إلَّا الرِّدَّةَ، وَالْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى - كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ السَّكْرَانُ مِنْ الْخَمْرِ وَالْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ نَحْوِ النَّبِيذِ وَالْمُثَلَّثِ وَغَيْرِهِ عِنْدَنَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَتَزْوِيجِ الِابْنَةِ الصَّغِيرَةِ وَالِابْنِ الصَّغِيرِ وَالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَحْيَدِ أَنَّهُ قَالَ: يَنْفُذُ مِنْ السَّكْرَانِ كُلُّ تَصَرُّفٍ يَنْفُذُ مَعَ الْهَزْلِ، وَلَا تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، وَيَنْفُذُ مِنْهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ وَالصَّغِيرِ أَمَّا رِدَّتُهُ فَلَا تَصِحُّ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا، وَتَصِحُّ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ وَاجِبُ النَّفْيِ وَالِانْعِدَامِ لَا وَاجِبُ التَّحَقُّقِ؛ وَلِهَذَا لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ خَطَأً لَا يَكْفُرُ، هَذَا إذَا كَانَ السُّكْرُ مِنْ الشَّرَابِ الْمُتَّخَذِ مِنْ أَصْلِ الْخَمْرِ نَحْوِ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ، وَأَمَّا السُّكْرُ مِنْ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعَسَلِ وَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَهُوَ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فَمَنْ قَالَ: يَجِبُ الْحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ يَقُولُ: تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ لِيَكُونَ زَجْرًا لَهُ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ، وَهُوَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ؛ لِأَنَّ نَفَاذَ التَّصَرُّفِ كَانَ لِلزَّجْرِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَهُمَا زَجْرًا لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ.
وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ أَوْ بِلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ.
وَكَذَا لَوْ شَرِبَ شَرَابًا حُلْوًا فَلَمْ يُوَافِقْهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ فَطَلَّقَ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هَذَا كُلُّهُ فِي السَّكْرَانِ إذَا شَرِبَ طَائِعًا، وَإِنْ شَرِبَ مُكْرَهًا فَطَلَّقَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَقَعُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. .
الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ إذَا سَكِرَ وَطَلَّقَ قَالَ شَدَّادٌ لَا يَقَعُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
السُّكْرُ مِنْ الْبَنْجِ وَلَبَنِ الرَّمَكَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَإِنْ خُلِطَ الْخَمْرُ بِالنَّبِيذِ وَشَرِبَهُ رَجُلٌ، وَلَمْ يَسْكَرْ فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْرُ هِيَ الْغَالِبَةَ حَدَدْتُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيذُ هُوَ الْغَالِبَ لَمْ نَحُدَّهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا طَبَخَ عَصِيرًا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُهُ ثُمَّ صَنَعَ مِنْهُ عَلِيقًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ صَنَعَهُ بَعْدَ مَا غَلَى وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالَةِ الْعَصِيرِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَلَى، وَاشْتَدَّ صَارَ مُحَرَّمًا.
وَالْعَلِيقُ الْمُتَّخَذ مِنْ الْمُحَرَّمِ لَا يَكُونُ حَلَالًا كَالْمُتَّخَذِ مِنْ الْخَمْرِ فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ فَهُوَ حَلَالُ الشُّرْبِ.
فَأَمَّا صُنْعُ الْعَلِيقِ مِنْ عَصِيرٍ فَحَلَالٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
الْقِدْرُ الَّتِي يُطْبَخُ فِيهَا الْعَصِيرُ قِدْرٌ قَاعِدَتُهَا مُسَطَّحَةٌ غَيْرُ مُقَعَّرَةٍ، وَجِدَارُهَا الْمُحِيطُ بِهَا مُسْتَدِيرٌ فِي ارْتِفَاعِهِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، وَارْتِفَاعُهَا مَقْسُومٌ بِثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ، فَتُمْلَأُ وَتُطْبَخُ إلَى أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ وَيَرْجِعَ الْبَاقِي فِي الْقِدْرِ إلَى الْعَلَامَةِ السُّفْلَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْبَخَ طَبْخًا مَوْصُولًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ.
فَإِنْ انْقَطَعَ الطَّبْخُ قَبْلَ ذَهَابِ ثُلُثَيْ الْعَصِيرِ قَالُوا: هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أُعِيدَ قَبْلَ تَغَيُّرِ الْمَطْبُوخِ وَحُدُوثِ الْمَرَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا فِيهَا كَانَ حَلَالًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الطَّبْخِ الْمَوْصُولِ، وَإِنْ أُعِيدَ الطَّبْخُ بَعْدَ تَغَيُّرِ الْمَطْبُوخِ وَحُدُوثِ الْمَرَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَانَ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ