(الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الدَّعْوَى فِي الشِّرْبِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ وَفِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ) وَإِذَا ادَّعَى شِرْبًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَرْضٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ قِيَاسًا وَتُسْمَعُ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ نَهْرٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ النَّهْرِ مِنْ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا إلَى أَرْضِ صَاحِبِ النَّهْرِ وَقْتَ الْخُصُومَةِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَجْرِي الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالنَّهْرِ لِصَاحِبِ النَّهْرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ النَّهْرَ مِلْكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ جَارِيًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ وَلَا عَلِمَ جَرَيَانَهُ إلَى أَرْضِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ صَاحِبُ النَّهْرِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ النَّهْرَ كَانَ مِلْكَهُ.
فِي الْمُنْتَقَى قَالَ هِشَامٌ سَأَلَتْ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ نَهْرٍ عَظِيمِ الشِّرْبِ لِأَهْلِ قُرًى لَا يُحْصَوْنَ حَبَسَهُ قَوْمٌ فِي أَعْلَى النَّهْرِ عَنْ الْأَسْفَلِينَ وَقَالُوا هُوَ لَنَا وَفِي أَيْدِينَا وَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِ النَّهْرِ بَلْ هُوَ لَنَا كُلُّهُ وَلَا حَقَّ لَكُمْ فِيهِ قَالَ إذَا كَانَ يَجْرِي إلَى الْأَسْفَلِينَ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي إلَى الْأَسْفَلِينَ وَشِرْبُهُمْ مِنْهُ جَمِيعًا كَمَا كَانَ وَلَيْسَ لِلْأَعْلَيْنَ أَنْ يَسْكُرُوهُ عَنْهُمْ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَسْفَلِينَ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ وَلَكِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ يَجْرِي إلَى الْأَسْفَلِينَ فِيمَا مَضَى وَأَنَّ أَهْلَ الْأَعْلَى حَبَسُوهُ عَنْهُمْ أَوْ أَقَامَ أَهْلُ الْأَسْفَلِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ النَّهْرَ كَانَ يَجْرِي إلَيْهِمْ وَأَنَّ أَهْلَ الْأَعْلَى حَبَسُوهُ عَنْهُمْ أُمِرَ أَهْلُ الْأَعْلَى بِإِزَالَةِ الْحَبْسِ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ كَانَ شِرْبُ أَهْلِ الْأَعْلَى وَأَهْلِ الْأَسْفَلِ مِنْ هَذَا النَّهْرِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ شِرْبَ الْكُلِّ كَانَ مِنْهُ وَقَدْ ادَّعَى كُلُّ فَرِيقٍ الْيَدَ عَلَى النَّهْرِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ لَا مِنْ حَيْثُ الْبَيِّنَةُ وَلَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَجْعَلُ النَّهْرَ بَيْنَهُمْ وَتَكُونُ قِسْمَةُ الشِّرْبِ عَلَى قَدْرِ مِسَاحَةِ الْأَرَاضِي قُلْت أَرَأَيْت هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُحْصَوْنَ إذَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ هَذَا النَّهْرَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لِقُرًى مَعْلُومَةٍ لَا يُحْصَى أَهْلُهَا أَيُقْضَى بِهَا لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ بِدَعْوَى هَذَا وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لَا يُحْصَوْنَ وَقَدْ حَضَرَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ هَذَا عَلَى مَا تَصِفُ فَإِنَّ هَذَا النَّهْرَ بِمَنْزِلَةِ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ نَافِذٍ فَإِنْ أَقَامَ قَوْمٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ اسْتَحَقُّوهُ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَهْرَ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ لِأَهْلِ تِلْكَ الْقُرَى خَاصَّةً وَاكْتَفَى الْقَاضِي بِوَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِينَ وَبِوَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ خَاصًّا لِقَوْمٍ مَعْرُوفِينَ يُحْصَوْنَ وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِمْ بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَضَى عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. .
نَهْرٌ لِرَجُلٍ يَجْرِي فِي أَرْضِ آخَرَ اخْتَلَفَا فِي مُسَنَّاتِهِ فَادَّعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَدْرِي فِي يَدِ مَنْ هِيَ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ يَغْرِسُ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ وَيَزْرَعُ فِيهَا وَيَمْنَعُ صَاحِبَ النَّهْرِ عَنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَعَنْ الْمُرُورِ فِيهَا وَلَا يَهْدِمُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا مِلْكٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ تَكُونُ مُلْقَى طِينِهِ قِيلَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ يَسْتَحِقُّ حَرِيمًا لِنَهْرِهِ عِنْدَهُمَا فَكَانَ الْحَرِيمُ فِي يَدِ صَاحِبِ النَّهْرِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّهْرِ فَيَكُونُ لَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ فَلَمْ تَكُنْ الْمُسَنَّاةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنَّ الْمُسَنَّاةَ أَشْبَهُ بِالْأَرْضِ مِنْ النَّهْرِ لِأَنَّ الْمُسَنَّاةَ تَصْلُحُ لِلْغِرَاسَةِ