وَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ نَسْجِ الثَّوْبِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ أَنَّ مَشَايِخَ بَلْخٍ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذُوا بِالْجَوَازِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، وَمَشَايِخَ بُخَارَى - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذُوا بِجَوَابِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَعَلَى هَذَا (بنبه جيدن وارزن كوفتن وكندم درويدن) ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِذَا دَفَعَ الْمُرْتَدُّ أَرْضَهُ وَبَذْرَهُ إلَى رَجُلٍ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ فَعَمِلَ عَلَى ذَلِكَ وَخَرَجَ الزَّرْعُ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى مَا اشْتَرَطَا، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَالْخَارِجُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْبَذْرِ، وَنُقْصَانُ الْأَرْضِ لِلدَّافِعِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْهُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا هَذِهِ الْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةٌ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ عَلَى الْعَامِلِ وَقُتِلَ الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ نُقْصَانٌ غَرِمَ الْعَامِلُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ نُقْصَانٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ.
وَهَذَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْمُزَارَعَةُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْمُزَارِعُ وَالْبَذْرُ مِنْهُ فَالْخَارِجُ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إذَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا مُرْتَدِّينَ وَالْبَذْرُ مِنْ الدَّافِعِ فَالْخَارِجُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ غُرْمُ الْبَذْرِ وَنُقْصَانُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ صَارَ كَالْغَاصِبِ لِلْأَرْضِ وَالْبَذْرِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُ الدَّافِعِ إيَّاهُ بِالزِّرَاعَةِ، وَلَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ صَاحِبُ الْبَذْرِ كَانَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ وَقَدْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ كَانَ الْخَارِجُ لَهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ إذْنَ الدَّافِعِ فِي عَمَلِ الزِّرَاعَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نُقْصَانٌ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ رَبُّ الْأَرْضِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ الْمُزَارِعُ وَقُتِلَ الْآخَرُ عَلَى الرِّدَّةِ ضَمِنَ الْمُزَارِعُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِالزِّرَاعَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْهَا شَيْئًا فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ الْخَارِجَ لِلْمُزَارِعِ وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ إنْ قُتِلَا أَوْ أَسْلَمَا أَوْ لَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ مَاتَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُزَارَعَةِ الْمُرْتَدَّةِ وَمُعَامَلَتِهَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَيَجُوزُ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَا بَيْنَ الْحَرْبِيَّيْنِ أَوْ الْمُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ دَخَلَا بِأَمَانٍ أَوْ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَأَرَاضِيهِمْ فَيْءٌ، وَأَمَّا الْخَارِجُ فَمَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْحَرْبِيِّ يَكُونُ فَيْئًا وَمَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ فَيْئًا، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ أَرَاضِيَهُمْ عَلَيْهِمْ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ أَسْلَمُوا فَالْمُعَامَلَاتُ بَيْنَهُمْ مُقَرَّرَةٌ عَلَى حَالِهَا إلَّا مُعَامَلَةً تَفْسُدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَوْ شَرَطَ مُسْلِمٌ لِلْعَرَبِيِّ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ الْخَارِجِ صَحَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا تَجُوزُ الْعُقُودُ الْفَاسِدَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ خِلَافًا لَهُ، وَلَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً فَاسِدَةً فَكَرَبَ الزَّارِعِ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ، ثُمَّ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عَنْ الزِّرَاعَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِ الْمُزَارِعِ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ أَكَّارٌ طَلَبَ مِنْ الدِّهْقَانِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بِالرُّبُعِ لِلدِّهْقَانِ فَقَالَ الدِّهْقَانُ: إنْ زَرَعْتُهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ لِي فَافْعَلْ وَإِلَّا فَلَا، فَلَمَّا زَرَعَ وَحَصَدَ اخْتَلَفَا، ذَكَرَ أَنَّ الثُّلُثَ لِلدِّهْقَانِ وَالْبَاقِي لِلْعَامِلِ، وَفِيهِ أَيْضًا زَرْعٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا فَحَصَدَهُ الْآخَرُ كَانَ مُتَبَرِّعًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.