الِاسْتِحْصَادِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ أَوْ الصَّبِيِّ فَجَمِيعُ الْخَارِجِ يَكُونُ لِلصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِمَا وَلَا ضَمَانَ النُّقْصَانِ، أَمَّا النُّقْصَانُ فَلِأَنَّ الزِّرَاعَةَ حَصَلَتْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَقَوْلُهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِمَا أَرَادَ بِهِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ نَفْيَ الْأَجْرِ فِي الْحَالِ أَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَيُخَاطَبُ بِالْأَجْرِ وَأَرَادَ بِهِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ نَفْيَ الْأَجْرِ فِي الْحَالِ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ فَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْأَقْوَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَصِيٌّ يَأْخُذُ أَرْضَ الْيَتِيمِ مُزَارَعَةً، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى آخَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْيَتِيمِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ بَذْرِهِ حَالًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَصِيِّ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا أَرْضَ الْيَتِيمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِئْجَارِ الْوَصِيِّ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لِلْيَتِيمِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ أَوْ ضَمَانُ الْمِثْلِ أَوْ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَالْبَذْرُ لَوْ كَانَ مِنْ الْيَتِيمِ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ مِمَّا يُصِيبُهُ مِنْ الْخَارِجِ لَمْ تَجُزْ الْمُزَارَعَةُ، وَإِنْ كَانَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْخَارِجِ خَيْرًا لَهُ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ النَّظَرِ لِلصَّبِيِّ فِي هَذَا، عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا أَخَذَ بَذْرَ الْيَتِيمِ فَزَرَعَهُ فِي أَرْضِ الْيَتِيمِ وَأَشْهَدَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ وَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ قَرْضًا وَاسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ، فَإِنْ كَانَ الرِّيعُ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ فَلَهُ الرِّيعُ، وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ خَيْرًا لَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ هَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارَعِ) يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ الْوَاقِعَ بَيْنَ الْمُزَارَعِ وَبَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَفَسَادِهَا، وَدَعْوَى الْجَوَازِ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا شَرْطَ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ، وَدَعْوَى الْفَسَادِ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا شَرْطًا يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَدَّعِيَ اشْتِرَاطَ أَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ اشْتِرَاطَ النِّصْفِ وَزِيَادَةَ عَشْرَةٍ وَالثَّالِثُ أَنْ يَدَّعِيَ اشْتِرَاطَ النِّصْفِ إلَّا عَشَرَةً، فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطَ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ وَادَّعَى الْآخَرُ اشْتِرَاطَ أَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارَعِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي لِلْفَسَادِ صَاحِبَ الْأَرْضِ أَوْ صَاحِبَ الْبَذْرِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ إنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْجَوَازَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَذْرِ سَوَاءٌ كَانَ يَدَّعِي الْجَوَازَ أَوْ الْفَسَادَ وَسَوَاءٌ أَخْرَجَتْ الْأَرْضَ شَيْئًا أَوْ لَمْ تُخْرِجْ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْجَوَازَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ رَبُّ الْأَرْضِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُزَارَعِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَمَا عَرَفْتَ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي جَانِبِ الْمُزَارَعِ ثَمَّةَ فَهُوَ كَذَلِكَ فِي جَانِبِ رَبِّ الْأَرْضِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شَرْطَ النِّصْفِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَقْفِزَةً مَعْلُومَةً، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شَرْطَ النِّصْفِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ شَرَطَ النِّصْفَ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ.
إنْ كَانَ الْمُدَّعِي لِزِيَادَةِ الْأَقْفِزَةِ عَلَى النِّصْفِ صَاحِبَ الْبَذْرِ وَهُوَ رَبُّ الْأَرْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُزَارِعِ الَّذِي يَدَّعِي النِّصْفَ سَوَاءٌ وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي زِيَادَةَ الْعَشَرَةِ الْأَقْفِزَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لِزِيَادَةِ الْعَشَرَةِ الْأَقْفِزَةِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُزَارَعُ إنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْجَوَازِ وَهُوَ صَاحِبُ الْبَذْرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُزَارَعُ.
فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ أَنْ يُثْبِتُ زِيَادَةَ الْعَشَرَةِ الْأَقْفِزَةِ، هَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَإِنَّ الْمُزَارَعَ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ رَبِّ الْأَرْضِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، فَمَا عَرَفْتَ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ، هَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شَرْطَ النِّصْفِ وَادَّعَى الْآخَرُ شَرْطَ النِّصْفِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شَرْطَ النِّصْفِ إلَّا عَشَرَةً فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ