وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَفِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهُ فَسْخُهَا وَلَا تَجُوزُ مُقَاسَمَةُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ رِضَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُكَاتَبُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَصَارَ ذَلِكَ لِمَوْلَاهُ لَمْ تَجُزْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ كَمَا لَا يَنْفُذُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ بِالْقِسْمَةِ وَكِيلًا ثُمَّ عَجَزَ أَوْ مَاتَ لَمْ يَجُزْ لِوَكِيلِهِ أَنْ يُقَاسِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ أُعْتِقَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ فَإِنْ أَوْصَى الْمُكَاتَبُ عِنْدَ مَوْتِهِ إلَى وَصِيٍّ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ وَرَثَةَ الْمُكَاتَبِ الْكِبَارَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَقَدْ تَرَكَ وَفَاءً فَإِنَّ قِسْمَتَهُ فِي هَذَا جَائِزَةٌ عَلَى مَا تَجُوزُ عَلَيْهِ قِسْمَتُهُ وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَأَنَّهُ أَدَّى الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ فَيَكُونُ وَصِيُّهُ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَوَصِيِّ الْحُرِّ وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: وَصِيَّتُهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ الْحُرِّ فِي حَقِّ الِابْنِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ حَتَّى تَجُوزَ قِسْمَتُهُ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ، وَمَا ذُكِرَ هُنَاكَ أَصَحُّ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَقَدْ سَعَوْا فِي الْمُكَاتَبَةِ لَمْ تَجُزْ فَإِنْ أَدَّوْا الْمُكَاتَبَةَ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوا الْقِسْمَةَ أَجَزْتُ الْقِسْمَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْبَابُ الثَّامِنُ فِي قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَعَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لَهُ دَيْنٌ أَوْ مُوصًى لَهُ وَفِي ظُهُورِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَفِي دَعْوَى الْوَارِثِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ أَوْ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ) وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَجَحَدَ الْبَاقُونَ قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ وَيُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِقَضَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ عِنْدَنَا إذَا كَانَ نَصِيبُهُ يَفِي لِكُلِّ دَيْنٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ دَارَ الْمَيِّتِ أَوْ أَرْضَ الْمَيِّتِ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَجَاءَ الْغَرِيمُ يَطْلُبُ الدَّيْنَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الْقِسْمَةَ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَإِذَا طَلَبُوا قِسْمَةَ التَّرِكَةِ مِنْ الْقَاضِي وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَالْقَاضِي يَعْلَمُ بِهِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِلتَّرِكَةِ فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ فَلَا يَكُونُ فِي الْقِسْمَةِ فَائِدَةٌ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَالْقِيَاسُ أَلَّا يَقْسِمَهَا أَيْضًا بَلْ يُوقِفَ الْكُلَّ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُوقِفُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ وَلَا يَأْخُذُ كَفِيلًا مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِالدَّيْنِ سَأَلَهُمْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ. سَأَلَهُمْ عَنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ وَإِنْ قَالُوا: لَا دَيْنَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمَيِّتِ، ثُمَّ يَسْأَلُهُمْ هَلْ فِيهَا وَصِيَّةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ. سَأَلَهُمْ أَنَّهَا حَصَلَتْ بِالْعَيْنِ أَوْ مُرْسَلَةً لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ فَإِنْ قَالُوا: لَا وَصِيَّةَ فِيهَا. قَسَمَهَا حِينَئِذٍ بَيْنَهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنٌ نَقَضَ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَسْأَلْ الْوَرَثَةَ عَنْ الدَّيْنِ وَقَسَمَ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى جَازَتْ الْقِسْمَةُ ظَاهِرًا ثُمَّ ظَهَرَ الدَّيْنُ فَالْقَاضِي يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ إلَّا أَنْ يَقْضُوا الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِمْ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ الْمَيِّتَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْزِلْ الْوَرَثَةُ نَصِيبَ الْغَرِيمِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ سِوَى مَا اقْتَسَمُوا. أَمَّا إذَا عَزَلُوا نَصِيبَ الْغَرِيمِ أَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ سِوَى مَا اقْتَسَمُوا فَالْقَاضِي لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ لَمْ يَعْرِفْهُ الشُّهُودُ أَوْ ظَهَرَ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَقْضِي حَقَّ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ مِنْ مَالِنَا وَلَا نَنْقُضُ الْقِسْمَةَ. لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمْ إلَّا أَنْ يَرْضَى هَذَا الْوَارِثُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ وَإِذَا ظَهَرَ غَرِيمٌ أَوْ مُوصًى لَهُ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَقْضِي حَقَّهُ مِنْ مَالِنَا وَلَا نَنْقُضُ الْقِسْمَةَ. لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يُعْطُوا حَقَّهُ مِنْ مَالِهِمْ فَقَدْ قَصَدُوا شِرَاءَ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَاهُ، وَأَمَّا حَقُّ الْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ فَلَيْسَ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ بَلْ فِي مَعْنَى التَّرِكَةِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَالِيَّةِ التَّرِكَةِ وَإِيفَاءُ حَقِّهِمْ مِنْ التَّرِكَةِ وَمِنْ مَالِ الْوَارِثِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ حَقَّ الْغَرِيمِ مِنْ مَالِهِ عَلَى أَلَّا يَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَالْقَاضِي لَا يَنْقُضُ الْقِسْمَةَ بَلْ يُمْضِيهَا لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ