مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ أَوْ أَلْقَى فِيهَا شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ الْمِلْحِ أَوْ الْخَلِّ بِحَيْثُ لَا قِيمَةَ لَهُ فَأَمَّا إذَا أَلْقَى فِيهَا مِلْحًا أَوْ خَلًّا لَهُ قِيمَةٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِيرُ الْخَلُّ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ أَلْقَى فِيهِ الْمِلْحَ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَأَعْطَاهُ وَمَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ أَلْقَى فِيهِ الْخَلَّ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ كَيْلِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ خَلًّا وَخَلَطَهُ بِخَلٍّ آخَرَ وَيَسْتَوِي إنْ حَمُضَتْ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بَعْدَ حِينٍ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا إنْ كَانَتْ الْخَمْرُ الَّتِي صَبَّ فِيهَا خَلًّا كَثِيرًا حَتَّى صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ فَهُوَ كُلُّهُ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلًا وَصَارَتْ خَلًّا بَعْدَ حِينٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ كَيْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ
وَلَوْ كَانَتْ الْخَمْرُ لِمُسْلِمٍ غَصَبَهَا مِنْهُ ذِمِّيٌّ فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ أَوْ خَلَّلَهَا الْغَاصِبُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فَلَوْ هَلَكَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَمَا صَارَتْ خَلًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ مِثْلَهَا خَلًّا لِصَاحِبِهَا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
مُسْلِمٌ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا هَلْ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْخَمْرِ إلَيْهِ لَوْ لَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ يُؤَاخَذُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إذَا عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ يَسْتَرِدَّهَا لِيُخَلِّلَهَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَيُؤَاخَذُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَوْ تَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي يَتَأَمَّلُ فِي حَالِهِ إنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهَا لِيُخَلِّلَهَا يَقْضِي بِرَدِّهَا إلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّهَا لِيَشْرَبَهَا يَأْمُرُ الْغَاصِبَ بِالْإِرَاقَةِ وَهَذَا كَمَنْ فِي يَدِهِ سَيْفٌ لِرَجُلٍ فَجَاءَ مَالِكُهُ لِيَأْخُذَهُ مِنْهُ إنْ عَلِمَ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَقْتُلَ بِهِ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ بَلْ يُمْسِكُهُ وَإِنْ عَلِمَ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهُ تَرَكَ الرَّأْيَ الْأَوَّلَ وَأَنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ.
مُسْلِمٌ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَشَرِبَهَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَعْوَى فِي الدُّنْيَا وَعَلَيْهِ إثْمُ الْغَصْبِ إنْ كَانَتْ الْخَمْرُ خَمْرَ الْخَلَّالِينَ وَكَانَ اتَّخَذَ الْعِنَبَ وَالْعَصِيرَ لِلْخَلِّ أَمَّا إذَا كَانَ قَدْ اتَّخَذَهُمَا خَمْرًا لِلشُّرْبِ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا عَلَى الشَّارِبِ إثْمُ شُرْبِ الْخَمْرِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَجَدَ فِي دَارِ إنْسَانٍ خَمْرًا فَأَلْقَى فِيهَا مِلْحًا فَصَارَتْ خَلًّا فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ الدَّنَّ عَنْ مَكَانِهِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عُرِفَ بِهَذَا أَنَّ بِنَفْسِ إلْقَاءِ الْمِلْحِ يَمْلِكُ الْخَلَّ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَإِذَا غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ عِنْدَهُ خَمْرًا فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ إنْ كَانَ فِي حِينِهِ وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِينِهِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْرَ وَلَا يُضَمِّنُهُ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ غَصَبَ لَبَنًا فَصَارَ مَخِيضًا أَوْ عِنَبًا فَصَارَ زَبِيبًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ النُّقْصَانِ وَكَذَا فِي جَمِيعِ الْمِثْلِيَّاتِ هَكَذَا فِي التَّهْذِيبِ.
وَلَوْ غَصَبَ رُطَبًا فَصَارَ تَمْرًا فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ عَيْنَهُ لَا غَيْرُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهُ هَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِذَا غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا وَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَطَرِيقُهُ أَنْ يُنْظَرَ أَنَّ هَذَا الْجِلْدُ لَوْ كَانَ ذَكِيًّا وَهُوَ غَيْرُ مَدْبُوغٍ بِكَمْ يُشْتَرَى وَمَدْبُوغًا بِكَمْ يُشْتَرَى؟ فَيُضَمَّنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ وَهَذَا إذَا أَخَذَ الْمَيْتَةَ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهَا فَدَبَغَ جِلْدَهَا فَأَمَّا إذَا أَلْقَى صَاحِبُ الْمَيْتَةِ الْمَيْتَةَ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَ رَجُلٌ جِلْدَهَا وَدَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَ الْجِلْدَ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْجِلْدِ أَنْ يَتْرُكَ الْجِلْدَ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْجِلْدِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ جِلْدَ الْمُذَكَّى كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَبَيْنَ جِلْدِ الْمُذَكَّى شَيْءٌ ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَالْجَوَابُ فِي الْمَيْتَةِ وَالْمُذَكَّى وَاحِدٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا هَلَكَ الْجِلْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ سَوَاءٌ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا قِيمَةَ لَهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَ الدِّبَاغَةِ إنْ كَانَ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِصَاحِبِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَلَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ جَعَلَ هَذَا الْجِلْدَ أَدِيمًا أَوْ زِقًّا أَوْ دَفْتَرًا أَوْ جِرَابًا أَوْ فَرْوًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ فَإِنْ كَانَ الْجِلْدُ ذَكِيًّا فَلَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَإِنْ كَانَ الْجِلْدُ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
إذَا اتَّخَذَ كُوزًا مِنْ طِينِ غَيْرِهِ كَانَ الْكُوزُ لَهُ فَإِنْ قَالَ رَبُّ الطِّينِ: أَنَا أَمَرْتُهُ بِذَلِكَ فَهُوَ لِرَبِّ الطِّينِ وَإِذَا غَصَبَ تُرَابًا وَلَبَّنَهُ