يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ: بِعْ ثَوْبِي هَذَا وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ كَذَا يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَعَنْ هَذَا الْأَصْلِ قُلْنَا إذَا قَالَ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ وَآجِرْ نَفْسَك مِنْهُ فِي عَمَلٍ كَذَا لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ قَالَ: آجِرْ نَفْسَك مِنْ النَّاسِ فِي عَمَلِ كَذَا يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَنْ يُعَامِلُ مِنْهُ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالْمُعَامَلَةِ مَعَ النَّاسِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِعُقُودٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَفِي النَّوَادِرِ جَعَلَ مَسْأَلَةَ الْإِجَارَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَمَّا إنْ قَالَ: آجِرْ نَفْسَك مِنْ فُلَانٍ لِتَخْدُمَهُ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ: آجِرْ نَفْسَك مِنْ فُلَانٍ لِتَتَّجِرَ لَهُ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: آجِرْ نَفْسَك مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ، وَلَوْ آجَرَهُ الْمَوْلَى لِعَمَلِ التِّجَارَةِ مُدَّةً فَهُوَ إذْنٌ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الدُّيُونِ فِيمَا اشْتَرَى لِلْمُسْتَأْجِرِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إذَا دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ رَاوِيَةً وَحِمَارًا لِيَسْقِيَ لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَلِجِيرَانِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، فَهَذَا لَيْسَ بِإِذْنٍ فِي التِّجَارَةِ، وَكَذَلِكَ الطَّحَّانُ إذَا دَفَعَ إلَى غُلَامِهِ حِمَارًا لِيَنْقُلَ طَعَامًا إلَيْهِ لِيَطْحَنَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِإِذْنٍ فِي التِّجَارَةِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ رَاوِيَةً وَحِمَارًا، وَقَالَ اسْقِ عَلَى هَذَا الْحِمَارِ وَبِعْهُ كَانَ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ، كَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ حِمَارًا فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْقُلَ الطَّعَامَ مِنْ النَّاسِ بِأَجْرٍ، وَيَنْقُلَ عَلَيْهِ كَانَ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ، كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ النَّاسِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ شَخْصًا فَهُوَ إذْنٌ فِي التِّجَارَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ قَالَ: اعْمَلْ فِي النَّقَّالِينَ أَوْ فِي الْحَنَّاطِينَ أَوْ قَالَ آجِرْ نَفْسَك فِي النَّقَّالِينَ أَوْ الْحَنَّاطِينَ فَهَذَا مِنْهُ إذْنٌ فِي التِّجَارَةِ، وَلَوْ أَرْسَلَ عَبْدَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا أَوْ لَحْمًا بِدِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا إذْنًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
لَوْ قَالَ: اشْتَرِ ثَوْبًا فَأَقْطَعْهُ قَمِيصًا لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا بَلْ يُعْتَبَرُ اسْتِخْدَامًا لِلضَّرُورَةِ كَذَا فِي الْمُغْنِي.
الْإِذْنُ فِي الْإِجَارَةِ يَكُونُ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ وَالْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ يَكُونُ إذْنًا فِي الْإِجَارَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
إذَا أَمَرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ بِقَبْضِ غَلَّةِ دَارٍ أَوْ أَمَرَهُ بِقَبْضِ كُلِّ دَيْنٍ لَهُ عَلَى النَّاسِ أَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِإِذْنٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، كَذَلِكَ إنْ أَمَرَهُ بِالْقِيَامِ عَلَى زَرْعٍ لَهُ أَوْ أَرْضٍ أَوْ عَلَى عُمَّالٍ لَهُ فِي بِنَاءِ دَارِهِ أَوْ أَنْ يُحَاسِبَ غُرَمَاءَهُ أَوْ أَنْ يَتَقَاضَى دَيْنَهُ عَلَى النَّاسِ، وَيُؤَدِّيَ مِنْهُ خَرَاجَ أَرْضِهِ أَوْ يَقْضِيَ دَيْنًا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ هُوَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
إذَا قَالَ: لِعَبْدِهِ لَا أَنْهَاك عَنْ التِّجَارَةِ كَانَ إذْنًا لَهُ، كَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَحْتَطِبَ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَرْيَةٍ لَهُ عَظِيمَةٍ أَنْ يُؤَاجِرَ أَرَاضِيهَا وَيَشْتَرِيَ الطَّعَامَ وَيَزْرَعَ فِيهَا، وَيَبِيعَ مِنْ الثِّمَارِ وَيُؤَدِّيَ خَرَاجَهَا كَانَ إذْنًا لَهُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
إذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى عَبْدِهِ مَالًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ طَعَامًا فَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَأْذُونِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَذَكَرَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا، وَذَكَرَ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا، وَقَالَ مَشَايِخُنَا: تَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الشِّرَاءُ بِهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى مَرَّاتٍ حَتَّى يَكُونَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ عُقُودًا مُتَفَرِّقَةً، وَتَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَتَهَيَّأُ لَهُ الشِّرَاءُ بِهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَكُونَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ عَقْدًا وَاحِدًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمَالِ الْعَظِيمِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ: يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ كَذَا فِي الْمُغْنِي.
إذَا دَفَعَ إلَى غُلَامِهِ مَالًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى بَلَدِ كَذَا، وَيَدْفَعَهُ إلَى فُلَانٍ فَيَشْتَرِيَ بِهِ الْبَزَّ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ فَفَعَلَهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا إذْنًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
إذَا دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ أَرْضًا بَيْضَاءَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا فَيَزْرَعَهُ فِيهَا وَيَسْتَأْجِرَ لَهُ أُجَرَاءَ فَيَكْرُونَ أَنْهَارَهَا وَيَسْقُونَ زَرْعَهَا وَيُؤَدِّيَ خَرَاجَهَا فَهَذَا إذْنٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: بِعْ ثَوْبِي هَذَا لِأَجْلِ الرِّبْحِ وَالنَّمَاءِ أَوْ قَالَ: عَلَى وَجْهِ الرِّبْحِ وَالنَّمَاءِ فَهَذَا إذْنٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: بِعْ ثَوْبِي مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى وَجْهِ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ كَذَا فِي الْمُغْنِي.
وَلَوْ قَالَ: قَدْ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ يَوْمًا وَاحِدًا فَإِذَا مَضَى رَأَيْت رَأْيًا فَهُوَ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ أَبَدًا حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي أَهْلِ سُوقِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ فِي هَذَا الْحَانُوتِ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ، وَكَذَلِكَ الْإِذْنُ