مِنْ الْأَبْوَابِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَيُنَفَّذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِوَصَايَا أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ لَا يَجِبُ تَنْفِيذُهَا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ: إذَا دَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْوَارِثِ مَالَهُ حِينَ أَدْرَكَ وَهُوَ فَاسِدٌ مِمَّنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَانَ دَفْعُهُ جَائِزًا وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الضَّمَانِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَأَمَّا الْحَجْرُ بِسَبَبِ الْفِسْقِ فَعِنْدَنَا لَا يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ، وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ.
وَأَمَّا الْحَجْرُ بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُفْسِدًا وَلَكِنَّهُ سَلِيمُ الْقَلْبِ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ وَيَغْبِنُ فِي التِّجَارَاتِ وَلَا يَصِيرُ عَنْهَا، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْجُرُ عَلَى هَذَا الْمُكَلَّفِ الْمُغَفَّلِ عِنْدَهُمَا، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا مَحْجُورًا اسْتَقْرَضَ مَالًا لِيُعْطِيَ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ صَحَّ اسْتِقْرَاضُهُ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِ الْمَرْأَةَ وَصَرَفَ الْمَالَ فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا اسْتَقْرَضَ مَالًا وَاسْتَهْلَكَهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَيُؤَاخَذُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَوْ أَوْدَعَ إنْسَانٌ عَبْدًا مَحْجُورًا فَأَقَرَّ الْمَحْجُورُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ صَارَ مُصْلِحًا بَعْدَ ذَلِكَ يُسْأَلُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، فَإِنْ قَالَ: مَا أَقْرَرْتُ بِهِ كَانَ حَقًّا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ: كَانَ بَاطِلًا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ أَوْدَعَهُ رَجُلٌ مَالًا فَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ صَلَحَ بَعْدَ ذَلِكَ سُئِلَ عَنْ إقْرَارِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ فِي حَالِ فَسَادِهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ كَانَ يَرَى الْحَجْرَ فِي السَّفِيهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنُ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ فِي حَالِ صَلَاحِهِ ضَمِنَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ اسْتَقْرَضَ مَالًا فَأَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِنَفَقَةِ مِثْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ قَضَاهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أَنْفَقَهُ بِإِسْرَافٍ حَسَبَ الْقَاضِي لِلْمُقْرِضِ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ نَفَقَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَضَاهُ مِنْ مَالِهِ وَأَبْطَلَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْدَعَ هَذَا السَّفِيهَ مَالًا وَاسْتَهْلَكَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ لَا يَضْمَنُ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَمَا صَارَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ كَانَ يَرَى الْحَجْرَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنُ، وَكَانَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ إذَا اسْتَهْلَكَ مَا كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا، وَضَمِنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَالًا سِوَى الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَتْ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَإِنْ أَقَرَّ الْمَحْجُورُ بِذَلِكَ إقْرَارًا لَمْ يَلْزَمْهُ مَا دَامَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، فَإِنْ صَلَحَ فَسُئِلَ عَمَّا كَانَ أَقَرَّ بِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فِي حَالِ صَلَاحِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ مِنْ مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَاسْتَهْلَكَهُ وَصَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ وَقَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصَدِّقُ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِذَا صَلَحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُؤَاخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ إقْرَارِهِ بَعْدَمَا صَارَ مُصْلِحًا أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ وَهُوَ الِاسْتِهْلَاكُ كَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا، فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ كَانَ حَقًّا يُؤَاخَذُ بِهِ وَيَصِيرُ مَا أَقَرَّ بِهِ دَيْنًا فِي مَالِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ ثَابِتًا وَكَانَ مُبْطِلًا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي حَالَةِ الصِّبَا ثُمَّ بَلَغَ فَقَالَ الْمُقَرُّ بِهِ كَانَ حَقًّا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ وَبِمِثْلِهِ، لَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ حَقًّا فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ كُنْتَ مُحِقًّا فِي إقْرَارِكَ وَقَالَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَلْ كُنْتُ مُبْطِلًا فِي الْإِقْرَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ فِي حَالِ السَّفَهِ. إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ مُبْطِلًا فِي إقْرَارِهِ وَادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُحِقًّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ بَعْدَ الْكِبْرِ: أَقْرَضْتَنِي وَأَنَا صَبِيٌّ مَحْجُورٌ أَوْ أَوْدَعْتَنِي وَاسْتَهْلَكْتَ ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ: لَا بَلْ أَوْدَعْتُكَ أَوْ أَقْرَضْتُكَ وَأَنْتَ مَأْذُونٌ بَالِغٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَعَلَى الصَّبِيِّ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقْرَضَ مَحْجُورًا أَوْ أَوْدَعَهُ ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا فَقَالَ لِصَاحِبِ الْمَالِ كُنْتَ أَقْرَضْتَنِي فِي حَالِ فَسَادِي فَأَنْفَقْتُهَا، أَوْ قَالَ: أَوْدَعَتْنِي فِي حَالِ فَسَادِي فَأَنْفَقْتُهَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ: فِي حَالِ صَلَاحِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْمَالِ وَيَضْمَنُ الْمَحْجُورُ، كَذَا