فِي الْحَالِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ فِعْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَيُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِمَا الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقِصَاصُ بِالْقَتْلِ، هَكَذَا فِي الْعَيْنِيِّ شَرْحِ الْهِدَايَةِ.
وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ نَافِذٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِعَجْزِهِ فِي الْحَالِ وَصَارَ كَالْمُعْسِرِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ طَلَاقٍ لَزِمَهُ لِلْحَالِ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ وَفِيهِ فَصْلَانِ)
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَسَائِلِهِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا) لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ وَالْفِسْقِ وَالْغَفْلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْفِسْقِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عِنْدَهُمَا فِي تَصَرُّفَاتٍ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ فِيهِ إجْمَاعًا. وَكَذَا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبَةِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَالسَّفَهُ هُوَ الْعَمَلُ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى وَتَرْكُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَجْرُ، وَالسَّفِيهُ مِنْ عَادَتِهِ التَّبْذِيرُ وَالْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَاتٍ لِأَغْرَاضٍ أَوْ لِغَرَضٍ لَا يَعُدُّهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ غَرَضًا، مِثْلُ الدَّفْعِ إلَى الْمُغَنِّينَ وَاللَّعَّابِينَ وَشِرَاءِ الْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ وَالْغَبْنِ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ مَحْمَدَةٍ، هَكَذَا فِي الْكَافِي. وَتَبْذِيرُ الْمَالِ كَمَا يَكُونُ فِي الشَّرِّ بِأَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ الشُّرْبِ وَالْفَسَقَةَ فِي دَارِهِ وَيُطْعِمَهُمْ وَيَسْقِيَهُمْ وَيُسْرِفَ فِي النَّفَقَةِ وَيَفْتَحَ بَابَ الْجَائِزَةِ وَالْعَطَاءِ عَلَيْهِمْ، كَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ بِأَنْ يَصْرِفَ جَمِيعَ مَالِهِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَيَحْجُرُ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِنْدَهُمَا هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
ثُمَّ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَاخْتَلَفَا فِي الْحَجْرِ بِسَبَبِ الْفَسَادِ وَالسَّفَهِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَيْضًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَثْبُتُ بِنَفْسِ السَّفَهِ هَذَا الْحَجْرُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الْمَحْجُورُ بِسَبَبِ السَّفَهِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ وَأَدَّى، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ، وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي يَدِهِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ، الْمَحْجُورُ بِالدَّيْنِ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي الْمَالِ الْقَائِمِ حَالَةَ الْحَجْرِ بَعْدَ زَوَالِهِ وَيَنْفُذُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَحْدَثِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ، وَالْمَحْجُورُ بِالسَّفَهِ لَا يَنْفُذُ الْإِقْرَارُ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي الْمَالِ الْقَائِمِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ. وَكَذَا لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمَالِ الْمُسْتَحْدَثِ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ، هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا حَجَرَ عَلَى مُفْسِدٍ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَطْلَقَهُ وَرَفَعَ عَنْهُ الْحَجْرَ وَأَجَازَ مَا صَنَعَ جَازَ إطْلَاقُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الثَّانِي، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الثَّالِثِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُنَفِّذَ قِضَاءَ الْأَوَّلِ بِالْحَجْرِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَبَعْدَ هَذَا لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ ثَالِثٍ فَإِنَّهُ يُنَفِّذُ قَضَاءَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيُنَفَّذُ بِالْإِجْمَاعِ، هَذَا إذَا أَجَازَ الثَّانِي تَصَرُّفَاتِهِ، فَأَمَّا إذَا أَبْطَلَهَا الثَّانِي ثُمَّ رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ فَأَجَازَهَا ثُمَّ رُفِعَ إلَى الرَّابِعِ يُمْضِي قَضَاءَ الثَّانِي بِإِبْطَالِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُ قَضَاءَ الثَّالِثِ بِالْإِجَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. فَإِنْ رُفِعَ شَيْءٌ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ مِنْ الْمَحْجُورِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ إطْلَاقِ الْقَاضِي الثَّانِي فَنَقَضَهَا وَأَبْطَلَهَا، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضِي آخَرَ، فَإِنَّ الثَّانِي يُنَفِّذُ حَجْرَ الْأَوَّلِ وَقَضَاءَهُ، فَلَوْ أَنَّ الثَّانِي لَمْ يُنَفِّذْ حَجْرَ الْأَوَّلِ وَأَجَازَ مَا صَنَعَ الْمَحْجُورُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ ثَالِثٍ، فَإِنَّ الثَّالِثَ يُنَفِّذُ حَجْرَ الْأَوَّلِ وَيَرُدُّ مَا قَضَى الثَّانِي بِالْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي الْأَوَّلَ حِينَ رُفِعَ إلَيْهِ حَجْرُهُ وَأَمْضَاهُ كَانَ ذَلِكَ قَضَاءً مِنْهُ لِوُجُودِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَيُنَفَّذُ هَذَا الْقَضَاءُ فَلَا يُنَفَّذُ إبْطَالُ الثَّانِي حَجْرَ الْأَوَّلِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَقَفَ ضَيْعَةً لَهُ قَالَ: وَقْفُهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ