الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي أُكْرِهَتْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَزَوَّجَهَا أَوْلِيَاؤُهَا مُكْرَهِينَ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ، ثُمَّ هَلْ لِلْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ.؟ فَإِنْ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَقَدْ رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَهُمَا لَا أَصْلًا، وَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فِي الِابْتِدَاءِ مِنْ كُفْءٍ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفْءٍ لَهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، هَذَا إذَا رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا لَهَا فَلَهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ بِسَبَبِ نُقْصَانِ الْمَهْرِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، فَإِذَا رَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي يُخَيِّرُ زَوْجَهَا فَيَقُولُ لَهُ: أَتِمَّ لَهَا مَهْرَهَا وَإِلَّا فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا، فَإِنْ أَتَمَّ نَفَذَ النِّكَاحُ، وَإِنْ أَبَى يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَكُونُ لَهَا مَهْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا فَلَهَا وَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ لِنُقْصَانِ الْمَهْرِ، وَعِنْدَهُمَا لَهَا حَقُّ الِاعْتِرَاضِ لِذَلِكَ وَلِلْأَوْلِيَاءِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ لَا غَيْرُ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ مُكْرَهَةٌ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا لَهَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ لِأَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لَهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ وَالْمَرْأَةِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَأَمَّا إذَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ طَائِعَةٌ فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْمَهْرِ الْمُسَمَّى دَلَالَةً فَكَانَ كَمَا لَوْ رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى نَصًّا، وَلَوْ رَضِيَتْ نَصًّا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ، وَعِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ لَا غَيْرُ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ شَرْحِ الْهِدَايَةِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ فَالتَّوْكِيلُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَبِنِصْفِ الْمَهْرِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ غَرَضَ الْمُكْرِهِ زَوَالُ مِلْكِهِ إذَا بَاشَرَ الْوَكِيلُ وَكَانَ الزَّوَالُ مَقْصُودَهُ فَيَضْمَنُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إكْرَاهٌ، كَذَا فِي الْكَافِي. وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِوَعِيدِ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَوْ أَكْرَهَهُ بِوَعِيدِ قَتْلٍ عَلَى أَنْ يُوَكِّلَ هَذَا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَكْرَهَهُ عَلَى دَفْعِ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِيَبِيعَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ بَاعَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَدَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْوَكِيلُ وَالْمُشْتَرِي طَائِعَانِ، فَمَوْلَى الْعَبْدِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ، يُرِيدُ بِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْ ضَمَانِ الْقِيمَةِ إنَّمَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْوَكِيلِ رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ فَيَتَقَاصَّانِ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُكْرِهِ رَجَعَ الْمُكْرِهُ بِمَا ضَمِنَ إنْ شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِوَعِيدِ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرِهُ شَيْئًا، وَإِذَا خَرَجَ الْمُكْرِهُ مِنْ الْوَسَطِ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي بِمَا ضَمِنَ عَلَى أَحَدٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى وَالْوَكِيلُ مُكْرَهَيْنِ بِالْقَتْلِ كَانَ الْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ عَبْدِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ بِإِكْرَاهِهِ إيَّاهُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِوَعِيدِ تَلَفٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهَا الْمُكْرِهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ كَانُوا جَمِيعًا مُكْرَهِينَ بِالْقَتْلِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرِهُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا كَالْآلَةِ، وَإِنْ كَانُوا مُكْرَهِينَ بِالْحَبْسِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ عَبْدِهِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ بِالْقِيمَةِ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ مَنْ ضَمَّنَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ الَّذِي يَلِي خُصُومَتَهُ دُونَ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ