«مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي يَدِهِ تِلْكَ الْحَدِيدَةِ يَجَأُ بِهَا بَطْنَ نَفْسِهِ» وَالْوَجْءُ الضَّرْبُ بِالسِّكِّينِ وَأَصْلُهُ يَوْجَأُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمَّا سَأَلْتُهُ عَمَّنْ كَتَبَ قِصَّتَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَسَأَلَ مِنْهُ تَمْلِيكَ أَرْضٍ مَحْدُودَةٍ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِالتَّوْقِيعِ فَكَتَبَ كَاتِبُ السُّلْطَانِ عَلَى ظَهْرِ الْقِصَّةِ إنِّي جَعَلْتُ الْأَرْضَ مِلْكًا لَهُ، هَلْ تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ السُّلْطَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ أُقِيمَ السُّؤَالُ بِالْقِصَّةِ مَقَامَ حُضُورِهِ وَقَبُولِهِ فَإِذَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهُ التَّوْقِيعَ يَتَمَلَّكُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: إذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ الْغَنَائِمَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ أَوْ بَاعَهَا مِنْ قَوْمٍ مِنْ التُّجَّارِ دَخَلُوا مَعَهُ فَلَحِقَهُمْ الْعَدُوُّ وَعَجَزُوا عَنْ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَرَادَ الْمُشْتَرُونَ وَاَلَّذِينَ وَقَعَ ذَلِكَ فِي سِهَامِهِمْ أَنْ يُلْقُوا بِالْمَتَاعِ لِيُحَرِّقُوهُ فَرَمَوْا بِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فَقَالُوا: مَنْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ فَأَخَذَ ذَلِكَ أَقْوَامٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ صَارَ ذَلِكَ لَهُمْ حِينَ أَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَّلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَالَ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ مِنْهُمْ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهَدِيَّةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ جُلَسَائِهِ وَبَيْنَ الْمُهْدَى إلَيْهِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إذَا كَانَتْ الْهَدِيَّةُ لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالثَّوْبِ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ فِي الْحَالِ كَاللَّحْمِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجْعَلْ لِأَصْحَابِهِ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَهُوَ مُهَيَّأٌ لِلْأَكْلِ لِلْحَالِ يَجْعَلُ لِأَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ حَظًّا وَيُمْسِكُ الْبَقِيَّةَ لِأَهْلِهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

رَجُلٌ مَاتَ فَبَعَثَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ الْمَيِّتِ بِثَوْبٍ لِيُكَفِّنَهُ فِيهِ، هَلْ يَمْلِكُهُ الِابْنُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي غَيْرِهِ وَيُمْسِكُهُ لِنَفْسِهِ؟ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِتَكْفِينِهِ لِفِقْهٍ أَوْ وَرَعٍ فَإِنَّ الِابْنَ لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ كَفَّنَهُ فِي غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ جَازَ لِلِابْنِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى حَيْثُ أَحَبَّ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

إذَا وَهَبَ الْأَبُ لِطِفْلِهِ دَارًا وَلَمْ يُبَيِّنْ حُدُودَهَا وَحُقُوقَهَا وَكَانَتْ الدَّارُ وَدِيعَةً عِنْدَ آخَرَ وَقْتَ الْهِبَةِ وَالْمُودَعِ سَاكِنُهَا مَلَكَ الصَّغِيرُ بِالْعَقْدِ وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا مِثْلُ الْهِبَةِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ فِي الصَّدَقَةِ]

(الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ فِي الصَّدَقَةِ) . الصَّدَقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ فِي الْمُشَاعِ وَغَيْرِ الْمُشَاعِ وَحَاجَتِهَا إلَى الْقَبْضِ، إلَّا أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ إذَا تَمَّتْ وَيَسْتَوِي إنْ تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ فِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِيهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَقُولُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْهِبَةُ سَوَاءٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

إذَا تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِدَارٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.

وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا بِنِيَّةِ الصَّدَقَةِ فَأَخَذَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ فَرَدَّهُ عَلَى الدَّافِعِ لَا يَحِلُّ لِلدَّافِعِ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ حِينَ قَبَضَهُ الرَّجُلُ فَإِنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

الْهِبَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولٍ بِالْقَوْلِ وَاسْتُحْسِنَ فِي صِحَّةِ الصَّدَقَةِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ بِالْقَوْلِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ فِي كَافَّةِ الْأَعْصَار بِالتَّصَدُّقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ إظْهَارِهِمْ الْقَبُولَ بِالْقَوْلِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.

وَالصَّدَقَةُ الْفَاسِدَةُ كَالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.

وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيَّيْنِ جَازَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.

وَلَوْ تَصَدَّقَ بِقِطْعَةِ نُقْرَةٍ عَلَى فَقِيرَيْنِ جَازَ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي التَّهْذِيبِ.

رَجُلٌ وَهَبَ لِمَسَاكِينَ هِبَةً وَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ

وَإِذَا أَعْطَى سَائِلًا أَوْ مُحْتَاجًا عَلَى وَجْهِ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

رَجُلٌ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ، فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهَا، قَالَ نُصَيْرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ حَتَّى هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَفِي الْفَتَاوَى سُئِلَ ابْنُ سَلَمَةَ عَمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ مُعْسِرَةٌ غَيْرَ أَنَّ لَهَا زَوْجًا مُوسِرًا، قَالَ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ يُوَسِّعُ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ فَهِيَ مُوسِرَةٌ بِغِنَى الزَّوْجِ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.

وَفِي الْمُنْتَقَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِصَدَقَةٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقَالَهُ الصَّدَقَةَ فَأَقَالَهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبِضَ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015