صَحَّتْ الْهِبَةُ طَلَّقَهَا أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ مَنَعَ امْرَأَتَهُ عَنْ الْمَسِيرِ إلَى أَبَوَيْهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ، فَقَالَ لَهَا: إنْ وَهَبْتِ لِي مَهْرَكِ أَبْعَثُكِ إلَى أَبَوَيْكِ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: أَفْعَلُ، ثُمَّ قَدَّمَهَا إلَى الشُّهُودِ فَوَهَبَتْ بَعْضَ مَهْرِهَا وَأَوْصَتْ بِالْبَعْضِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْعَثْهَا إلَى أَبَوَيْهَا وَمَنَعَهَا، قَالَ: الْهِبَةُ بَاطِلَةٌ، قَالَ الْفَقِيهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرَهَةِ فِي الْهِبَةِ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمَرِيضِ: إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِكَ هَذَا فَأَنْت فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي، أَوْ قَالَتْ: فَمَهْرِي عَلَيْكَ صَدَقَةٌ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ وَتَعْلِيقٌ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
مَرِيضَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَمَهْرِي عَلَيْكَ صَدَقَةٌ أَوْ فَأَنْت فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَقَوْلُهَا بَاطِلٌ وَالْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
الْمَرْأَةُ إذَا أَرَادَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الَّذِي طَلَّقَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمُطَلِّقُ: لَا أَتَزَوَّجُكِ حَتَّى تَهَبِينِي مَا لَكِ عَلَيَّ فَوَهَبَتْ مَهْرَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ أَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَالْمَهْرُ بَاقٍ عَلَى الزَّوْجِ تَزَوَّجَهَا أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْمَالَ عَلَى نَفْسِهَا عِوَضًا عَنْ النِّكَاحِ، وَفِي النِّكَاحِ الْعِوَضُ لَا يَكُونُ عَلَى الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
لَوْ أَبَى الِاضْطِجَاعَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ لَهَا: أَبْرِئِينِي مِنْ الْمَهْرِ فَأَضْطَجِعْ مَعَكِ فَأَبْرَأَتْهُ، قِيلَ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لِلتَّوَدُّدِ الدَّاعِي إلَى الْجِمَاعِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: إنْ لَمْ تَقْضِ مَا لِي عَلَيْكَ حَتَّى تَمُوتَ فَأَنْت فِي حِلٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَلَوْ قَالَ لِرَبِّ الدَّيْنِ: إذَا مِتُّ فَأَنْت فِي حِلٍّ فَهُوَ جَائِزٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ مِتُّ فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ، لَا يَبْرَأُ وَهُوَ مُخَاطَرَةٌ كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِمَّا لِي عَلَيْكَ لَا يَبْرَأُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
أَبْرَأهُ عَنْ الدَّيْنِ لِيُصْلِحَ مُهِمَّةً عِنْدَ السُّلْطَانِ لَا يَبْرَأُ وَهُوَ رِشْوَةٌ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْبَابُ التَّاسِعُ فِي اخْتِلَافِ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ) . عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ وَهَبَهُ مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَجَحَدَ صَاحِبُ الْيَدِ ذَلِكَ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا يَقُولُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الرَّهْنُ وَالصَّدَقَةُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِلَا خِلَافٍ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ بِالْقَبْضِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ أَقَرَّ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَالْعَبْدُ فِي يَدِهِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هَهُنَا، وَلَمْ يُذْكَرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلٌ أَوَّلُ وَآخِرٌ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ، قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: مَا ذُكِرَ هَهُنَا أَصَحُّ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ رَجُلًا وَدِيعَةً ثُمَّ وَهَبَهَا لَهُ ثُمَّ جَحَدَهَا فَشَهِدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ وَلَمْ يُشْهِدْ بِالْقَبْضِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ جَحَدَ الْوَاهِبُ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ شَهِدَتْ الشُّهُودُ عَلَى الْهِبَةِ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَبْضِ وَلَا عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ، وَالْهِبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَوْمَ يُخَاصِمُ إلَى الْقَاضِي فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْوَاهِبُ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ مَتَاعًا ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا كُنْتُ اسْتَوْدَعْتُكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَتَاعِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ الْمَتَاعَ فَإِنْ وَجَدَهُ هَالِكًا فَإِنْ كَانَ هَلَكَ بَعْدَمَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدِعُ الْهِبَةَ فَالْمُسْتَوْدَعَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْهَلَاكُ قَبْلَ دَعْوَى الْهِبَةِ فَلَا ضَمَانَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَهَبَ لِرَجُلٍ عَبْدًا وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْهِبَةِ وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى الشِّرَاءِ لَا غَيْرُ فَهُوَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ