فَدَفَعَتْ إلَى الْفَقِيرِ جَازَ عَنْهَا لَا عَنْ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
رَجُلٌ لَهُ أَوْلَادٌ وَامْرَأَةٌ فَكَالَ الْحِنْطَةَ لِأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يُعْطِيَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ ثُمَّ جَمَعَ وَدَفَعَ إلَى الْفَقِيرِ بِنِيَّتِهِمْ يَجُوزُ عَنْهُمْ، وَمَصْرِفُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ مَا هُوَ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
(كِتَابُ الصَّوْمِ)
(وَفِيهِ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ)
(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِهِ وَتَقْسِيمِهِ وَسَبَبِهِ وَوَقْتِهِ وَشَرْطِهِ) .
أَمَّا تَفْسِيرُهُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ كَذَا فِي الْكَافِي. وَأَنْوَاعُهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَنَفْلٌ. وَالْفَرْضُ نَوْعَانِ: مُعَيَّنٌ كَرَمَضَانَ، وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَالْوَاجِبُ نَوْعَانِ: مُعَيَّنٌ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَالنَّفَلُ كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَسَبَبُهُ مُخْتَلِفٌ فَفِي الْمَنْذُورِ النَّذْرُ، وَفِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ أَسْبَابُهَا مِنْ الْحِنْثِ وَالْقَتْلِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَأَمَّا سَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ فَذَهَبَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ إلَى أَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ الْهِنْدِيُّ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
فَإِذَا أَفَاقَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ كُلَّهُ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَعَلَى هَذَا إذَا أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَحْرِ الرَّائِقِ، وَالْإِفَاقَةُ بِزَوَالِ جَمِيعِ مَا بِهِ مِنْ الْجُنُونِ فَأَمَّا إذَا أَصَابَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ فَلَا كَذَا فِي الزَّاهِدِيِّ.
وَوَقْتُهُ مِنْ حِينِ يَطْلُعُ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ فِي الْأُفُقِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي أَوْ لِاسْتِطَارَتِهِ وَانْتِشَارِهِ فِيهِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَالثَّانِي أَوْسَعُ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، وَهُوَ طَالِعٌ أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ، وَلَمْ تَغْرُبْ قَضَاهُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا تَعَمَّدَ الْإِفْطَارَ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَدَعَ الْأَكْلَ، وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَيَقْضِي حِينَئِذٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ تَسَحَّرَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. هَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ، وَالْفَجْرُ طَالِعٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ فَأَفْطَرَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَلَا يُعَارِضُهَا الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ فَأَكَلَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ طَلَعَ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ عَلَى الطُّلُوعِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالُوا الْفَجْرُ طَالِعٌ فَقَالَ الرَّجُلُ إذَنْ لَمْ أَصِرْ صَائِمًا وَصِرْت مُفْطِرًا فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ أَكْلَهُ الْأَوَّلَ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَكْلَهُ الثَّانِيَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانُوا جَمَاعَةً وَصَدَّقَهُمْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ