زَكَاةَ سَائِمَةٍ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ الْعَيْنُ قَائِمًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ بِاسْتِهْلَاكِ النِّصَابِ، وَإِنْ كَانَ زَكَاةَ الْأَثْمَانِ وَزَكَاةَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي السَّوَائِمُ.
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ خَرَاجَ أَرْضٍ يُمْنَعُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِقَدْرِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ خَرَاجًا يُؤْخَذُ بِحَقٍّ، وَكَانَ تَمَامَ الْحَوْلِ بَعْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ إدْرَاكِهَا فَلَا، وَمَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ مَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ إذَا أَخْرَجَتْ طَعَامًا وَاسْتَهْلَكَهُ وَضَمِنَ مِثْلَهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَلَى الدَّرَاهِمِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الدَّرَاهِمِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ هَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ يَمْنَعَ مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ مُعَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ مَهْرٌ مُؤَجَّلٌ لِامْرَأَتِهِ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ: لَا يُجْعَلُ مَانِعًا مِنْ الزَّكَاةِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ فِي الْعَادَةِ، وَأَنَّهُ حَسَنٌ أَيْضًا هَكَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
وَأَمَّا نَفَقَاتُ الزَّوْجَاتِ فَمَا لَمْ تَصِرْ دَيْنًا إمَّا بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي لَا تَمْنَعُ وَتَسْقُطُ إذَا لَمْ يُوجَدْ قَضَاءُ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي، وَكَذَا نَفَقَةُ الْمَحَارِمِ إذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ نَحْوَ مَا دُونَ الشَّهْرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا بَلْ تَسْقُطُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا إذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ هَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
وَأَمَّا الدَّيْنُ الْمُعْتَرِضُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ فَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ. رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْعَبْدِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، وَكَفَلَ بِهَا رَجُلٌ بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِهِمَا لَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ اغْتَصَبَ رَجُلٌ أَلْفًا مِنْ رَجُلٍ فَجَاءَ آخَرُ وَاغْتَصَبَ الْأَلْفَ مِنْ الْغَاصِبِ وَاسْتَهْلَكَهَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِ الْغَاصِبَيْنِ كَانَ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ زَكَاةُ أَلْفِهِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَلَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَصْرُوفٌ إلَى الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ مُعَدٌّ لِلتَّقَلُّبِ وَالتَّصَرُّفِ فَكَانَ الدَّيْنُ مَصْرُوفًا إلَيْهِ، فَأَمَّا الدَّارُ وَالْخَادِمُ فَمَشْغُولَتَانِ بِحَاجَتِهِ فَلَا يَصْرِفُ الدَّيْنَ إلَيْهِ، وَمَالِكُ الدَّارِ وَالْخَادِمِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ حَاجَتَهُ بَلْ يَزِيدُ فِيهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: إنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ تَحِلُّ لِلرَّجُلِ، وَهُوَ صَاحِبُ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قِيلَ، وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ يَكُونُ لَهُ الدَّارُ وَالْخَادِمُ وَالسِّلَاحُ، وَكَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ ذَلِكَ وَعَنْ هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ الْفَقِيهَ إذَا كَانَ يَمْلِكُ مِنْ الْكُتُبِ مَا يُسَاوِي مَالًا عَظِيمًا، وَلَكِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَ فَضْلًا عَنْ حَاجَتِهِ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ هَكَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ. وَالْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ مِنْ كُلِّ تَصْنِيفٍ نُسْخَتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَإِذَا سَقَطَ الدَّيْنُ كَأَنْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ اُعْتُبِرَ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ سُقُوطِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهَكَذَا فِي الْكَافِي. وَكُلُّ دَيْنٍ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَدُيُونِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَوُجُوبِ الْحَجِّ لَا يَمْنَعُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَضَمَانُ