مِنْ الْكَفِيلِ بَعْدَ الْمُدَايَنَةِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمَكْفُولِ لَهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

ذَكَرَ فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ لَوْ طَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الْكَفِيلَ بِالدَّيْنِ فَقَالَ الْكَفِيلُ إنَّ الْمَدْيُونَ أَدَّاهُ، وَالْمَدْيُونُ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْكَفِيلُ بَيِّنَةً عَلَى أَدَاءِ مَالِ الْمَدْيُونِ تُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَلَى الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ رَبِّ الْمَالِ إلَّا بِهَذَا فَيَنْتَصِبُ خَصْمًا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.

هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَنَاةٍ فِي قَوْمٍ كَثِيرِينَ فِيهِمْ الشَّاهِدُ وَالْغَائِبُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ احْتَفَرُوا هَذِهِ الْقَنَاةَ فِي أَرْضِهِ غَصْبًا وَهُمْ قَوْمٌ كَثِيرُونَ لَا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نَجْمَعَهُمْ قَالَ جَعَلْتُ لَهُمْ وَكِيلًا وَقَضَيْتُ عَلَى وَكِيلِهِمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

رَجُلٌ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ الْعَبْدِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَوْدَعَهُ نِصْفَهُ، ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْعَبْدِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَائِعٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا إذَا بَاعَ يَنْصَرِفُ بِبَيْعِهِ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ دُونَ مِلْكِ شَرِيكِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ شَرِيكُ الْبَائِعِ وَالْإِيدَاعَ حَصَلَ فِي النِّصْفِ الْمَقْضِيِّ بِهِ، فَالِاسْتِحْقَاقُ وَرَدَ عَلَى الْوَدِيعَةِ، وَالْمُودِعُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ]

وَإِذَا كَانَ عُلُوٌّ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا، وَلَا أَنْ يَنْقُبَ فِيهِ كُوَّةً بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ فِي عُلُوِّهِ، وَلَا أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ جِذْعًا لَمْ يَكُنْ، وَلَا يُحْدِثَ كَنِيفًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَا: جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَصْنَعَ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ، وَقِيلَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَعْنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا مَنَعَ عَمَّا مَنَعَ إذَا كَانَ مُضِرًّا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَمْ يَمْنَعْ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا فَكَانَ جَوَازُ التَّصَرُّفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْآخَرُ فَصْلًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعِلَّةِ الضَّرَرِ لِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ، وَإِنَّمَا الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ إلَّا بِعَارِضِ الضَّرَرِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ لَا يُمْنَعُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ إذَا أُشْكِلَ فَعِنْدَهُمَا لَمْ يَجُزْ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مُتَيَقَّنٌ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَحِلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّ قَرَارَهُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ الْهَدْمِ اتِّفَاقًا، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ يَمْنَعُ الْمَالِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ كَمَا مَنَعَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الْمَالِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ، وَالْإِطْلَاقُ بِعَارِضٍ، وَهُوَ الرِّضَا بِهِ دُونَ عَدَمِ الضَّرَرِ بِهِ، فَإِذَا أَشْكَلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلُوِّ مِنْ تَوْهِينِ بِنَاءٍ، أَوْ نَقْضِهِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ كَذَا فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015