(الْبَابُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَالْقَضَاءِ الَّذِي يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَقِيَامِ بَعْضِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْ الْبَعْضِ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ إمَّا قَصْدِيٌّ، وَذَلِكَ بِتَوْكِيلِ الْغَائِبِ إيَّاهُ، وَإِمَّا حُكْمِيٌّ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ أَوْ شَرْطًا لَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَكَذَا كَانَ يُفْتِي الْقَاضِي الْإِمَامُ شَمْسُ الْإِسْلَامِ مَحْمُودْ عَبْدَ الْعَزِيزِ الْأُوزْجَنْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكُتُبِ فِي الْمَوَاضِعِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
ثُمَّ سَوَّى الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ بَيْنَمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ شَيْئَيْنِ وَبَيْنَمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئًا وَاحِدًا فَتُشْتَرَطُ السَّبَبِيَّةُ لِانْتِصَابِ الْحَاضِرِ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ فِي شُرُوحِهِمْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تُشْتَرَطُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئَيْنِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَالْأَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ بَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا وَاحِدًا.
إذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا، وَقَدْ غَصَبَهَا ذُو الْيَدِ مِنِّي، وَقَالَ ذُو الْيَدِ: الدَّارُ دَارِي فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَيَنْتَصِبُ الْحَاصِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ فَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ بِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَأَنْكَرَ الْحَقَّ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا فِي حَقِّ الْكَفِيلِ الْحَاضِرِ وَفِي حَقِّ الْغَائِبِ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ
إذَا ادَّعَى الشُّفْعَةَ فِي دَارٍ هِيَ فِي يَدِ إنْسَانٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ: الدَّارُ دَارِي مَا اشْتَرَيْتُهَا مِنْ أَحَدٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَا الْيَدِ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا، وَأَنَّهُ شَفِيعُهَا يُقْضَى بِالشِّرَاءِ فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. بَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ.
فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئَيْنِ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: هُمَا عَبْدَانِ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَأَقَامَ الْمَشْهُودُ لَهُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ أَعْتَقَهُمَا، وَهُوَ يَمْلِكُهُمَا فَإِنَّهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ وَيَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا. وَالْمُدَّعَى شَيْئَانِ الْمَالُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْعِتْقُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الشَّهَادَةِ بِحَالٍ فَصَارَ الشَّيْءُ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا وَيُقْضَى بِالْعِتْقِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا قَذَفَ مُحْصَنًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَقَالَ الْقَاذِفُ: أَنَا عَبْدٌ