فَمِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ قَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ خَطَأً؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ لِمُشْتَرِي الدَّرَاهِمِ اسْتِحْسَانًا كَمَا إذَا جَاءَ الْمُسْلِمُ إلَيْهِ بِدِرْهَمِ زَيْفٍ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ إذَا جَاءَ الْبَائِعُ بِزَيْفٍ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَكُنْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا فَكَذَا هَهُنَا وَإِلَى هَذَا مَالَ شَمْسُ الْآئِمَةِ السَّرَخْسِيِّ
وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَحَّحَ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكِتَابِ وَقَالَ بَلْ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي اسْتِحْسَانًا وَلَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ فَهُوَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَسْقَطَ الْيَمِينَ، وَالْبَيِّنَةَ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ مَقْبُولَةٌ كَمَا إذَا أَقَامَهَا الْمُودِعُ عَلَى الرَّدِّ أَوْ الْهَلَاكِ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ مُشْتَرِيَ الدَّرَاهِمِ يُكَلَّفُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَهُمَا قُبِلَتْ وَلَعَلَّهُ أَقَامَهَا لِدَفْعِ الْيَمِينِ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ كَالْمُودِعِ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحْلَفَ الْوَكِيلُ عَلَى ذَلِكَ فَنَكِلَ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ لَزِمَ الْمُوَكِّلُ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ شَرْعًا وَمَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ شَرْعًا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَهُوَ إنَّمَا يُرَدُّ إذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ أَمَّا أَنَّهُ يُحَلِّفُ الْوَكِيلَ فَلَا وَإِنَّمَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ مُشْتَرِي الدَّرَاهِمِ رَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ وَيَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ عَلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْآمِرِ فَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ، وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ صَحَّحُوا الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ وَقَالُوا هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى طَرِيقِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ لَهُ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَصَرَفَهَا فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الدَّنَانِيرِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ
وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ إبْرِيقَ فِضَّةٍ بِعَيْنِهِ بِدَرَاهِمَ فَاشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ كَمَا أَمَرَهُ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى لِنَفْسِهِ كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْآمِرِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ عَرْضٍ كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْوَكِيلِ وَلَوْ كَانَ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إبْرِيقَ فِضَّةٍ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ فَاشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْوَكِيلِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَالْمُشْتَرَى لِلْوَكِيلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ فِضَّةٍ بِعَيْنِهَا وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَبَاعَهَا بِفِضَّةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَضْمَنْ الْوَكِيلُ، وَالْمُوَكِّلُ أَحَقُّ بِهَذِهِ الْفِضَّةِ مِنْ الْوَكِيلِ يَقْبِضُ مِنْهَا بِوَزْنِ فِضَّتِهِ، وَالْبَاقِي فِي يَدِ الْوَكِيلِ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ قَالُوا: تَأْوِيلُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَحَقُّ بِالْفِضَّةِ الَّتِي قَبَضَهَا الْوَكِيلُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ فِضَّتِهِ بِعَيْنِهَا بِأَنْ غَابَ قَابِضُهَا أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَقَدْ اسْتَهْلَكَهَا فَمَتَى كَانَتْ الْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا فِي يَدِ الْوَكِيلِ مِثْلَ فِضَّتِهِ وَزْنًا فَأَمَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَخْذِ فِضَّتِهِ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذَهَا لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا