فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الصُّلْحُ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: لَا بَلْ مَا ذُكِرَ هَهُنَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَالثَّانِي أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِحَيْثُ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا تَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا بِأَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجُوزُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا تَجُوزُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ وَقَبَضَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ الصُّلْحُ فَإِذَا بَطَلَ الصُّلْحُ اسْتَقْبَلَ الْخُصُومَةَ فِي الْعَيْبِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الصُّلْحِ وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَ لِلدَّرَاهِمِ أَجَلًا ثُمَّ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا أَوْ شَرَطَ فِي الصُّلْحِ خِيَارًا ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يُبْطِلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَإِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ أَقَرَّ ثُمَّ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ حَالَّةٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَافْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ لَا يُبْطِلُ الصُّلْحُ، وَإِنْ كَانَ صَالَحَهُ عَلَى خَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَافْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ الصُّلْحُ، وَإِنْ افْتَرَقَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَمَا نَقَدَ الْبَعْضَ بَرِئَ مِنْ حِصَّةِ مَا نَقَدَ وَتَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا بَقِيَ.

وَإِنْ صَالَحَهُ مِنْ الْمِائَةِ عَلَى ذَهَبٍ تِبْرًا وَمَصُوغٍ لَا يُعْلَمُ وَزْنُهُ جَازَ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَذَا فِي الْحَاوِي فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي الْقَرْضِ، وَالصَّرْفِ فِيهِ.

وَإِذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَتَرَكَتْ مِيرَاثًا مِنْ رَقِيقٍ وَثِيَابٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحُلِيٍّ فِيهِ جَوَاهِرُ وَلَآلٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأَبَاهَا وَمِيرَاثُهَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِيهَا فَصَالَحَ الْأَبُ زَوْجَهَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يُعْلَمَ نَصِيبُ الزَّوْجِ مِنْ الذَّهَبِ الْمَتْرُوكِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إنْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ مِنْ الذَّهَبِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ الثَّانِي أَنْ لَا يُعْلَمَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَكَذَلِكَ إذَا صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُوَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا جَازَ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ فَإِنْ وَجَدَ التَّقَابُضَ بَقِيَ الصُّلْحُ فِي الْكُلِّ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّقَابُضُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الصُّلْحَ فِي حِصَّةِ الصَّرْفِ يَبْطُلُ وَكَذَلِكَ فِي حِصَّةِ اللَّآلِئِ، وَالْجَوَاهِرِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا إلَّا بِضَرَرٍ، وَأَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ، وَالْمَتَاعِ، وَالْعُرُوضِ فَالصُّلْحُ يَبْقَى عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ قَبَضَ الزَّوْجُ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ الَّتِي هِيَ بَدَلُ الصُّلْحِ وَكَانَ الْمِيرَاثُ فِي بَيْتِ الْأَبِ وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يَبْطُلُ بِحِصَّةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُقِرًّا لِلزَّوْجِ بِمَا عِنْدَهُ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُ الزَّوْجِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ فَيَحْصُلُ الِافْتِرَاقُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَتَبْطُلُ حِصَّةُ الصَّرْفِ وَحِصَّةُ مَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ كَالْجَوْهَرِ الْمُرَصَّعِ فَأَمَّا إذَا كَانَ جَاحِدًا لِلزَّوْجِ مَا عِنْدَهُ كَانَ الْأَبُ غَاصِبًا نَصِيبَ الزَّوْجِ وَقَبْضُ الْغَصْبِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ فَإِذَا قَبَضَ بَدَلَ الصُّلْحِ فَالِافْتِرَاقُ حَصَلَ بَعْدَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015