لَهُ عَنْهُ عِوَضٌ، وَالْأَكْلُ مِنْهَا وَاجِبٌ، فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ. دَخَلَ النَّارَ. وَهُنَا لَا يُعْلَمُ حُصُولُ الشِّفَاءِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا الدَّوَاءُ، بَلْ اللَّهُ تَعَالَى يُعَافِي الْعَبْدَ بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَالتَّدَاوِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُقَاسُ هَذَا بِهَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
363 - 3: سُئِلَ: عَنْ الْمُدَاوَاةِ بِالْخَمْرِ: وَقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا جَائِزَةٌ. فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ» فَاَلَّذِي يَقُولُ: تَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ فَمَا حُجَّتُهُ وَقَالُوا: إنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي قَالَ فِيهِ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي يَقُولُ بِجَوَازِ الْمُدَاوَاةِ بِهِ فَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي يَقُولُ ذَلِكَ مَا حُجَّتُهُ؟
أَجَابَ: وَأَمَّا التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَئِمَّةِ: كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ تُصْنَعُ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: إنَّهَا دَاءٌ، وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ» وَالْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَاَلَّذِينَ جَوَّزُوا التَّدَاوِيَ بِالْمُحَرَّمِ قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ: كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِلْمُضْطَرِّ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُضْطَرَّ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ يَقِينًا بِتَنَاوُلِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّهُ إذَا أَكَلَهَا سَدَّتْ رَمَقَهُ، وَأَزَالَتْ ضَرُورَتَهُ، وَأَمَّا الْخَبَائِثُ بَلْ وَغَيْرُهَا فَلَا يُتَيَقَّنُ حُصُولُ الشِّفَاءِ بِهَا، فَمَا أَكْثَرُ مَنْ يَتَدَاوَى وَلَا يُشْفَى، وَلِهَذَا أَبَاحُوا دَفْعَ الْغَصَّةِ بِالْخَمْرِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا، وَتَعَيُّنِهَا لَهُ، بِخِلَافِ شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ. فَقَدْ تَنَازَعُوا فِيهِ: فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا لَا تَرْوِي.
الثَّانِي:
أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى إزَالَةِ ضَرُورَتِهِ إلَّا الْأَكْلُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ،