وَقَوْلُ نُوحٍ: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47] . وَقَوْلُ إبْرَاهِيمَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28] . وَقَوْلُ مُوسَى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16] . وَقَوْلُ الْمَسِيحِ: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: 114] .
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، حَتَّى أَنَّهُ يَذْكُرُ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يُقَالَ: يَا سَيِّدِي، بَلْ يُقَالُ: يَا رَبُّ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءُ النَّبِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ.
وَكَذَلِكَ اسْمُ (الْمَنَّانِ) فَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَمِعَ دَاعِيًا يَدْعُو: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنَّ لَك الْمُلْكَ أَنْتَ اللَّهُ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى» . وَهَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي أَسْمَائِهِ الْمَنَّانُ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِرَجُلٍ وَدَّعَهُ قُلْ: يَا دَلِيلَ الْحَائِرِينَ دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِك الصَّالِحِينَ.
وَقَدْ أَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الْوَفَا بْنِ عَقِيلٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْمَائِهِ (الدَّلِيلُ) لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ الدَّلَالَةُ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا، وَالصَّوَابُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلْمَدْلُولِ، وَلَوْ كَانَ الدَّلِيلُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَالْعَبْدُ يُسْتَدَلُّ بِهِ أَيْضًا، فَهُوَ دَلِيلٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» وَلَيْسَ هَذَا الِاسْمُ فِي هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ.