بَاطِلٌ، رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُفْطِرُ وَيَصُومُ، وَيَقْصُرُ وَيُتِمُّ» .

فَظَنَّ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ أَنَّهَا رَوَتْ الْأَمْرَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ، إلَّا قَوْلًا مَرْجُوحًا لِلشَّافِعِيِّ.

وَأَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ يَكْرَهُونَ التَّرْبِيعَ لِلْمُسَافِرِ.

كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي أَنَصِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ التَّرْبِيعُ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ.

فَيُقَالُ: لَوْ كَانَ اللَّهُ يُحِبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، لَكَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ أَرْبَعًا، فَإِنَّ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ بِبَعْضِ الظُّهْرِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِالتَّطَوُّعِ مَعَ الظُّهْرِ.

وَلِهَذَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا، فَلَوْ أَرَادَ الْمُقِيمُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَرْضًا، وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ وَيَنْهَاهُ عَنْ شَيْءٍ إلَّا وَاَلَّذِي أَمَرَهُ بِهِ خَيْرٌ مِنْ الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ، فَعُلِمَ أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ مَعَ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا.

فَلَمَّا كَانَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَسْتَحِبَّ لِلْمُسَافِرِ التَّرْبِيعَ بِخَيْرِ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُ، فَلَأَنْ لَا يَسْتَحِبَّ التَّرْبِيعَ بِالْأَمْرِ الْمَرْجُوحِ عِنْدَهُ أَوْلَى.

فَثَبَتَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الصَّحِيحِ أَنَّ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَكْمَلُ الْأُمُورِ، وَأَنَّ هَدْيَهُ خَيْرُ الْهَدْيِ، وَأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ كَانَ أَفْضَلَ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْرُنَ بِهِمَا رَكْعَتِي السُّنَّةِ.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا كَانَتْ ظُهْرًا مَقْصُورَةً لَمْ يَكُنْ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَقْرُنَ بِهَا سُنَّةَ ظُهْرِ الْمُقِيمِ، بَلْ تُجْعَلُ كَظُهْرِ الْمُسَافِرِ الْمَقْصُورَةِ.

وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُصَلِّي فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ، وَيُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا» ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ.

وَهَذَا لِأَنَّ الْفَجْرَ لَمْ تُقْصَرْ فِي السَّفَرِ، فَبَقِيَتْ سُنَّتُهَا عَلَى حَالِهَا، بِخِلَافِ الْمَقْصُورَاتِ فِي السَّفَرِ، وَالْوِتْرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ كَسَائِرِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ، وَسُنَّةُ الْفَجْرِ تَدْخُلُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِ فِي السَّفَرِ، لِاسْتِقْلَالِهِ وَقِيَامِ الْمُقْتَضِي لَهُ.

وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْأَذَانَانِ عَلَى عَهْدِهِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015