وَلِهَذَا كَانَ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ فِي، مِثْلِ قَوْلِهِ: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29] . لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْقِسْطِ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ الْإِيمَانِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْإِيمَانِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] . {مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ} [الأحزاب: 7] .
هَذَا إذَا قِيلَ إنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَتَنَاوَلُهُ سَوَاءٌ، قِيلَ إنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ. فَيَكُونُ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ، أَوْ قِيلَ: بَلْ عَطْفُهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ مُنْفَرِدًا، كَمَا قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي لَفْظِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا تَتَنَوَّعُ دَلَالَتُهُ بِالْأَفْرَادِ وَالِاقْتِرَانِ. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ، وَكُلَّ شَرٍّ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الظُّلْمِ، وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ أَمْرًا وَاجِبًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَالظُّلْمُ مُحَرَّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ، فَلَا يَحِلُّ ظُلْمُ أَحَدٍ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ كَانَ ظَالِمًا، بَلْ الظُّلْمُ إنَّمَا يُبَاحُ أَوْ يَجِبُ فِيهِ الْعَدْلُ عَلَيْهِ أَيْضًا. قَالَ - تَعَالَى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ} [المائدة: 8] أَيْ: يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُ، أَيْ بُغْضُ قَوْمٍ وَهُمْ الْكُفَّارُ عَلَى عَدَمِ الْعَدْلِ: {قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] .
وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] .