أَلْفَاظُ زَكَرِيَّا عَنْ أَحْمَدَ فِي رَسَائِلِهِ الْجَامِعَةِ فِي السُّنَّةِ، وَإِلَّا فَالْأَشْعَرِيُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يُعَرِّي أَقْوَالَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَا يَعْرِفُ تَفَاصِيلَ أَقْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِ أَئِمَّتِهِمْ، وَقَدْ تَصَرَّفَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ بِاجْتِهَادِهِ فِي مَوَاضِعَ يَعْرِفُهَا الْبَصِيرُ، وَأَمَّا خِبْرَتُهُ بِمَقَالَاتِ أَهْلِ الْكَلَامِ فَكَانَتْ خِبْرَةً تَامَّةً عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وَلِهَذَا لَمَّا صَنَّفَ كِتَابَهُ فِي مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ ذَكَرَ مَقَالَاتِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَاخْتِلَافَهُمْ عَلَى التَّفْصِيلِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ فَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُمْ إلَّا جُمْلَةَ مَقَالَاتٍ، مَعَ أَنَّ لَهُمْ فِي تَفَاصِيلِ تِلْكَ مِنْ الْأَقْوَالِ أَكْثَرُ مِمَّا لِأَهْلِ الْكَلَامِ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْكَلَامِ فِي الدَّقِيقِ فَلَمْ يَذْكُرْ النِّزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي الدَّقِيقِ، وَبَيْنَهُمْ مُنَازَعَاتٌ فِي أُمُورٍ دَقِيقَةٍ لَطِيفَةٍ كَمَسْأَلَةِ اللَّفْظِ وَنُقْصَانِ الْإِيمَانِ وَتَفْضِيلِ عُثْمَانَ، وَبَعْضِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَنَفْيِ لَفْظِ الْجَبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَقِيقِ الْقَوْلِ وَلَطِيفِهِ.
وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا إطْلَاقُ مَدْحِ شَخْصٍ أَوْ طَائِفَةٍ، وَلَا إطْلَاقُ ذَمِّ ذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّوَابَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَالطَّائِفَةِ الْوَاحِدَةِ مَا يُحْمَدُ بِهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَمَا يُذَمُّ بِهِ مِنْ السَّيِّئَاتِ، وَمَا لَا يُحْمَدُ بِهِ وَلَا يُذَمُّ مِنْ الْمَبَاحِثِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ مِنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ عَلَى حَسَنَاتِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ عَلَى سَيِّئَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَحْمُودًا وَلَا مَذْمُومًا عَلَى الْمُبَاحَاتِ وَالْمَعْفُوَّاتِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي فُسَّاقِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَنَحْوِهِمْ.
وَإِنَّمَا يُخَالِفُ هَذَا الْوَعِيدِيَّةُ مِنْ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَنْ اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ، حَتَّى يَقُولُونَ: إنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا بَلْ يُخَلَّدُ فِيهَا، وَيُنْكِرُونَ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ
فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَيُنْكِرُونَ خُرُوجَ أَحَدٍ مِنْ النَّارِ وَقَدْ تَوَاتَرَتْ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ
بِخُرُوجِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَتَّى يَقُولَ اللَّهُ: «أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ» ، وَبِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ
لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ، وَلِهَذَا يَكْثُرُ فِي الْأُمَّةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ مَنْ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَمْرَانِ، فَبَعْضُ النَّاسِ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ مَحَاسِنِهِ