وَقَالَ {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة: 120] وَقَالَ {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد: 37] وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنُ وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَهُ وَالْعِلْمُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَالْقُرْآنُ مِنْ الْعِلْمِ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَقَالَ: {الرَّحْمَنُ} [الرحمن: 1] {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 2] {خَلَقَ الإِنْسَانَ} [الرحمن: 3] وَقَالَ: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54] .
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْخَلْقَ خَلْقٌ وَالْخَلْقُ غَيْرُ الْأَمْرِ وَأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ الْخَلْقِ وَهُوَ كَلَامُهُ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَخْلُ مِنْ الْعِلْمِ وَقَالَ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .
وَالذِّكْرُ هُوَ الْقُرْآنُ وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُمَا وَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا عَالِمًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَلَيْسَا مِنْ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْهُمَا، فَالْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ ثَوَابٍ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ أَكْفَرْتَهُمْ؟ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ غَيْرَ مَوْضِعٍ: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: 120] فَذَكَرَ الْكَلَامَ قَالَ ابْنُ ثَوَابٍ ذَاكَرْتُ ابْنِ الدَّوْرَقِيِّ فَذَهَبَ إلَى أَحْمَدَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ لِي سَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي كَمَا قَالَ لَكَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ زَادَنِي أَنْزَلَهُ بِعَمَلِهِ، ثُمَّ قَالَ لِي أَحْمَدُ إنَّمَا أَرَادُوا الْإِبْطَالَ.
وَقَدْ فَسَّرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ كَلَامَ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ الْمَعْنَى فَقَطْ، وَأَنَّ مَعْنَى الْقُرْآنِ يَعُودُ إلَى الْعِلْمِ فَهُوَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَلَمْ يُرِدْ بِالْقُرْآنِ الْحُرُوفَ وَالْمَعَانِيَ فَمَنْ جَعَلَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى إلَّا الْعِلْمُ فَقَدْ كَذَبَ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَحْمَدُ أَنَّ مَعْنَاهَا الْعِلْمُ لِأَنَّهَا كُلَّهَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَمَعْنَى الْخَبَرِ الْعِلْمُ فَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَهَذَا إذَا صَحَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِالْكَلَامِ الْمَعْنَى تَارَةً كَمَا يُرَادُ بِهِ الْحُرُوفُ أُخْرَى، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ أَحْمَدُ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ بِالْحُرُوفِ فَهَذَا خِلَافُ نُصُوصِهِ الصَّرِيحَةِ عَنْهُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ قَدِيمٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ هُوَ الْمَعْنَى