فِرْعَوْنَ، فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى بِأَنْ يُخَلَّدَ فِي النَّارِ مِنْ هَذَا وَكِلَاهُمَا عِنْدَهُ مَخْلُوقٌ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ فَاسْتَحْسَنَهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إنَّ لِلَّهِ وَلَدًا أَكَفْرُ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ، وَقَالَ: احْذَرْ ابْنَ الْمَرِيسِيِّ وَأَصْحَابَهُ؛ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ ابْنُ جَدِّ الزَّنْدَقَةِ، وَأَنَا كَلَّمْت أُسْتَاذَهُمْ جَعْدًا فَلَمْ يُثْبِتْ أَنَّ فِي السَّمَاءِ إلَهًا قَالَ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَفَّانَ، سَمِعْت سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي السَّنَةِ الَّتِي ضُرِبَ فِيهَا الْمَرِيسِيِّ فَقَامَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ مَجْلِسِهِ مُغْضَبًا فَقَالَ: وَيْحَكُمْ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ قَدْ صَحِبْت النَّاسَ وَأَدْرَكْتُهُمْ، هَذَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَهَذَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، حَتَّى ذَكَرَ مَنْصُورًا أَوْ الْأَعْمَشَ وَمِسْعَرَ بْنَ كِدَامٍ، فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي الِاعْتِزَالِ وَالرَّفْضِ وَالْقَدَرِ، وَأَمَرُونَا بِاجْتِنَابِ الْقَوْمِ، فَمَا نَعْرِفُ الْقُرْآنَ إلَّا كَلَامَ اللَّهِ فَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ مَا أَشْبَهَ هَذَا الْقَوْلُ بِقَوْلِ النَّصَارَى، لَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تَسْمَعُوا كَلَامَهُمْ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ أَدْرَكْت مَشَايِخَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَالُوا: اللَّهُ تَعَالَى قَدْ خَلَقَ كَلَامًا فِي غَيْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21] .
وَمِنْ ذَلِكَ كَلَامُ الذِّرَاعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَسْلِيمُ الْحَجَرِ عَلَيْهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ، لَا سِيَّمَا مَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا لِلَّهِ إنْ كَانَ مَا خَلَقَهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي غَيْرِهِ يَكُونُ كَلَامًا لَهُ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ، وَيُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرَ وَالْكَذِبَ.
وَقَوْلُ الشَّاةِ: إنِّي مَسْمُومَةٌ فَلَا تَأْكُلْنِي، وَقَوْلُ الْبَقَرَةِ: إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ وَشَهَادَةُ الْجُلُودِ وَالْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ كَلَامُ اللَّه وَإِلَّا يُفَرِّقُ بَيْنَ نُطْقِهِ وَبَيْنَ إنْطَاقِهِ لِغَيْرِهِ.