فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَدَثَ إرَادَةُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي.
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، فَنُقِلَ هَهُنَا عَنْهُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتَك حَتَّى أَتَزَوَّجَهَا وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَ مِنْهُ الْأَلْفَ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ رَجُلٌ يَقُولُ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتَك حَتَّى أَتَزَوَّجَهَا لَا يَحِلُّ هَذَا، فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَعَهَا لِيَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِعَهَا لِيَتَخَلَّصَ مِنْ النِّكَاحِ، لَكِنْ إذَا سَمَّى فِي عَقْدِ الْخُلْعِ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّزَوُّجَ بِهَا فَهُوَ أَقْبَحُ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ، وَالصُّورَةُ الْأُولَى هِيَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا كَلَامُ أَحْمَدَ، فَالْمَرْأَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ لَأَنْ تَتَزَوَّجَ أَشَدُّ فَإِنَّ الْأَذَى بِطَلَبِ الْمَرْأَةِ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الْأَذَى بِطَلَبِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ حَرَامًا لَوْ حَدَثَ الْقَصْدُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ مَقْصُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَفُعِلَ بَعْدَهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اخْتِلَاعُهَا رَغْبَةً فِي نِكَاحِ غَيْرِهِ، وَلَا الْعَقْدُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَلَا يَحِلُّ أَمْرُهَا بِذَلِكَ وَلَا تَعْلِيمُهَا إيَّاهُ، وَلَكِنْ لَوْ فَعَلْته لَمْ يَقْدَحْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِمَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ رَجَعَتْ عَنْ هَذِهِ النِّيَّةِ جَازَ لَهَا الْمُقَامُ مَعَهُ، فَإِنْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَفَارَقَهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ.
وَأَمَّا الْعَقْدُ الثَّانِي فَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الرَّجُلِ إذَا خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَبَيْعِهِ إذَا ابْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ قَوْلَانِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ تِلْكَ، فَنَقُولُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ أَوْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَعَنْ أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، أَوْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِطَلَاقِ أُخْتِهَا، فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ «نَهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَوْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا أَوْ إنَائِهَا، فَإِنَّمَا رِزْقُهَا عَلَى اللَّهِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَهَى عَنْ التَّلَقِّي، وَعَنْ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا، وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَنَهَى عَنْ النَّجْشِ وَالتَّصْرِيَةِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: «لَا يَبْتَاعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلَا يَحِلُّ