لَهُ حَتَّى يُجَامِعَهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا جَامَعَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَتْ إرَادَتُهَا تَحْلِيلًا مُفْسِدًا لِلنِّكَاحِ أَوْ مُحَرِّمًا لِلْعَوْدِ إلَى الْأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ، سَوَاءٌ جَامَعَهَا أَوْ لَمْ يُجَامِعْهَا، فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّهَا إنَّمَا أَرَادَتْ الرُّجُوعَ إلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ حَلِّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مُرْتَغِبًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتُرَاجِعَ الْأَوَّلَ، كَمَا أَرَادَ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِيَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ إنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، تُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ جِمَاعِهَا فَأَحَبَّتْ طَلَاقَهُ لِذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ إلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ الْأَصْلُ عَدَمُ الْإِرَادَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ قُلْنَا الْجَوَابُ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَوَّزَ لَهَا مُرَاجَعَةَ الْأَوَّلِ إذَا جَامَعَهَا الثَّانِي بَعْدَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ رَغْبَتُهَا فِي الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَفْعَلْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِرَادَةُ حَدَثَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَهُ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحِلَّ يَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ، فَإِنْ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالَ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، حَتَّى لَوْ كَانَ احْتِمَالُ تَجَدُّدِ الْإِرَادَةِ هُوَ الرَّاجِحُ لَكَانَ الْإِطْلَاقُ يَعُمُّ الْقِسْمَيْنِ إذَا كَانَ الِاحْتِمَالُ الْآخَرُ ظَاهِرًا، وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَلِفَتْ زَوْجًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَدْ يَبْقَى فِي نَفْسِهَا مِنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَالنِّسَاءُ فِي الْغَالِبِ يَبْغُضْنَ الطَّلَاقَ وَيُحْبِبْنَ الْعَوْدَ إلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْبِبْنَ مُعَاشَرَةَ غَيْرِهِ.
الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ رَاغِبَةً فِي زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِخُصُوصِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا رَغْبَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ، فَفِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا، وَكَانَ مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَلَمْ تَصِلْ مَعَهُ إلَى أَيِّ شَيْءٍ تُرِيدُهُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي وَإِنِّي تَزَوَّجْت زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ، فَلَمْ يَقْرَبْنِي إلَّا هَنَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِلْ مِنْهُ إلَيَّ شَيْءٌ، فَأَحِلُّ لِزَوْجِي الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِك الْأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَك وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ