عَقْدَ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَازِمًا عَلَى التَّحْلِيلِ فَلَيْسَ بِعَاقِدٍ، بَلْ هَذَا الْقَصْدُ يَمْنَعُ الْعَقْدَ أَنْ يَكُونَ عَقْدًا فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ، قُلْنَا إنْ عَنَيْت بِالْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ اللَّفْظَ الْمُجَرَّدَ كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّ الْمَقَاصِدَ وَالنِّيَّاتِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْأَلْفَاظِ، وَبُطْلَانُ هَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ فَإِنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي صِفَاتِهِ اللَّفْظُ وَأَحْكَامُهُ، إنَّمَا هُوَ عِنَايَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَقَصْدُهُ وَإِلَّا فَاللَّفْظُ وَحْدَهُ لَا يَقْتَضِي شَيْئًا، وَإِنْ عَنَيْت بِالْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ الْأَلْفَاظَ الدَّوَالَّ عَلَى مَعَانٍ فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقَصْدَ يُؤَثِّرُ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِهَا خِلَافَ تِلْكَ الْمَعَانِي كَانَ صَاحِبُهَا مُدَلِّسًا مُلْبِسًا، لَكِنَّ الْحُكْمَ فِي الظَّاهِرِ يَتْبَعُ الظَّاهِرَ وَلَيْسَ الْقَصْدُ إشَاعَةَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ ظَاهِرًا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْحِلِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقَوْلُهُ إنَّمَا نَوَى الطَّلَاقَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ بِالْعَقْدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَوَى إخْرَاجَ الْبَيْعِ عَنْ مِلْكِهِ وَإِحْرَاقَهُ أَوْ إتْلَافَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قُلْنَا: هَذَا مَنْشَأُ الْغَلَطِ فَإِنَّ قَصْدَ الطَّلَاقِ لَمْ يُنَافِ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَصَدَ تَصَرُّفَهُ فِي الْمَمْلُوكِ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا نَافَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَصْدَ النِّكَاحِ وَقَصْدَ الطَّلَاقِ لَا يَجْتَمِعَانِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ مَعْنَاهُ الِاجْتِمَاعُ وَالِانْضِمَامُ عَلَى سَبِيلِ انْتِفَاعِ كُلٍّ مِنْ الْمُجْتَمِعَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَأُلْفِهِ بِهِ وَسُكُونِهِ إلَيْهِ، وَهَذَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ إلَّا قَطْعَ هَذَا الْوَصْلِ وَفَرْقَ هَذَا الْجَمْعِ مَعَ عَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الْمُؤَالَفَةِ.
وَانْتِفَاءُ الْغَرَضِ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ لَا يَصِحُّ، وَالطَّلَاقُ لَيْسَ هُوَ التَّصَرُّفَ الْمَقْصُودَ بِالْمِلْكِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ رَفْعُ سَبَبِ الْمِلْكِ، فَلَا يُقَاسُ بِتِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ وَإِنَّمَا لِيَرَهَا مِنْ النِّكَاحِ، أَنْ يَقْصِدَ بِالنِّكَاحِ بَعْضَ مَقَاصِدِهِ مِنْ النَّفْعِ بِهَا أَوْ نَفْعِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَنَظِيرُ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يَعْقِدَ الْبَيْعَ إلَّا لَأَنْ يَفْسَخَهُ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ مَجْلِسٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ فَوَاتِ صِفَةٍ أَوْ إقَالَةٍ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْبَيْعِ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَ عَقْدِهِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ،
إذَا قَالَ: بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت وَقَصْدُهُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ تَوَاطَآ عَلَى التَّقَابُلِ وَعَقَدَا فَهَلْ هُنَاكَ تَبَايُعٌ حَقِيقِيٌّ، وَنَظِيرُ التَّحْلِيلِ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ، ثُمَّ يَبِيعُهُ مِنْ رَجُلٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ فِي مُدَّةِ أَحَدِ الْخِيَارَاتِ، فَمَنْ الَّذِي سَلَّمَ أَنَّ هَذَا بَاعَ عَبْدَهُ قَطُّ، وَإِنَّمَا هَذَا تَصَوَّرَ بِصُورَةِ الْبَائِعِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَيَهَبَنَّ مَالَهُ وَوَهَبَهُ لِابْنِهِ بِنِيَّةِ أَنْ يَرْتَجِعَهُ، وَلَمَّا قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [المزمل: 20] ، وَ {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 254] لَوْ أَعْطَى ابْنَهُ مُظْهِرًا