مَعْذُورًا فِي حَمْلِهَا عَلَى مَعْنَاهَا الْمَعْرُوفِ، وَكَانَ الْمُتَكَلِّمُ آثِمًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، إنَّمَا يُبْطِلُ الشَّارِعُ مَعَهُ مَا نَهَاهُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ لَاعِبًا أَبْطَلَ لَعِبَهُ وَجَعَلَهُ جَادًّا وَإِنْ كَانَ مُخَادِعًا أَبْطَلَ خِدَاعَهُ، فَلَمْ يَحْصُل لَهُ مُوجَبُ ذَلِكَ الْقَوْلِ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ كَالْمُنَافِقِ الَّذِي قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَقَلْبُهُ لَا يُطَابِقُ لِسَانَهُ.

وَتَحْرِيرُ هَذَا الْمَوْضِعِ يَقْطَعُ مَادَّةَ الشَّغَبِ فَإِنَّ لَفْظَ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مَوْضُوعُهُمَا وَمَفْهُومُهُمَا شَرْعًا وَعُرْفًا نِكَاحٌ وَانْضِمَامٌ وَازْدِوَاجٌ، مُوجَبُهُ التَّأْبِيدُ إلَّا لِمَانِعٍ وَحَقِيقَتُهُ نِكَاحٌ مُؤَبَّدٌ يَقْبَلُ الِانْقِطَاعَ أَوْ الْقَطْعَ، لَيْسَ مَفْهُومُهُمَا وَمَوْضُوعُهُمَا نِكَاحًا يُقْصَدُ بِهِ رَفْعُهُ وَوَصْلًا الْمَطْلُوبُ مِنْهُ قَطْعُهُ، وَفَرْقٌ بَيْنَ اتِّصَالٍ يَقْبَلُ الِانْقِطَاعَ وَاتِّصَالٍ يُقْصَدُ بِهِ الِانْقِطَاعُ وَكَمَا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ هُوَ مَعْنَى اللَّفْظِ وَمَفْهُومَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَصْلًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لَهُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمُتْعَةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَجَازًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِإِثْبَاتِ الشَّيْءِ وَنَفْيِهِ، عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يُحِيلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَاللَّفْظُ لَا يُوضَعُ لِإِرَادَةِ الْمُحَالِ.

وَالنِّكَاحُ هُوَ صِلَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَتَضَمَّنُ عِشْرَةً وَمَوَدَّةً وَرَحْمَةً وَسَكَنًا وَازْدِوَاجًا، وَهُوَ مِثْلُ الْأُخُوَّةِ وَالصُّحْبَةِ وَالْمُوَالَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الصِّلَاتِ الَّتِي تَقْتَضِي رَغْبَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَوَاصِلَيْنِ فِي الْآخَرِ، بَلْ هُوَ مِنْ أَوْكَدُ الصِّلَاتِ فَإِنَّ صَلَاحَ الْخَلْقِ وَبَقَاءَهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَذِهِ الصِّلَةِ، بِخِلَافِ تِلْكَ الصِّلَاتِ فَإِنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ لِلْمَصَالِحِ، فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ الزَّوْجِ حِينَ عَقَدَهُ فَسْخَهُ وَرَفْعَهُ صَارَ قَوْلُهُ تَزَوَّجْت مَعْنَاهُ قَصَدْت أَنَّ أَصِلَ إلَى قَطْعٍ وَأُوَالِيَ لَا أُعَادِيَ وَأُحِبُّ لَا أُبْغِضُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ قَصَدَ الْقَطْعَ وَالْمُعَادَاةَ وَالْبُغْضَ لَمْ يَقْصِدْ الْوَصْلَ وَالْمُوَالَاةَ وَالْمَحَبَّةَ، فَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعْنَاهُ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّهَكُّمِ وَالتَّشَبُّهِ فِي الصُّورَةِ، بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّ غَرَضَهُ وَصْلٌ إلَى حِينٍ وَهَذَا نَوْعُ وَصْلٍ مَقْصُودٌ فَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ، ثُمَّ إنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ مُوجَبَ اللَّفْظِ هُوَ الْوَصْلَ الْمُؤَبَّدُ، وَمَنَعَ التَّوْقِيتَ لِمَا أَنَّهُ يَخِلّ بِمَقَاصِدِ النِّكَاحِ، وَيُشْبِهُ الْإِجَارَةَ وَالسِّفَاحَ فَكَيْفَ بِالتَّحْلِيلِ. فَالْمَنْعُ مِنْ دَلَالَةِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى الْمُتْعَةِ شَرْعِيٌّ، وَلِهَذَا جَازَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِإِبَاحَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015