مَقْصُودِ الْعُقُودِ وَصَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ يَقُولُ هَبْ أَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا لِيُضَارّهَا أَوْ لِيُضَارّ زَوْجَةً لَهُ أُخْرَى.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُعْلَمُ فِي اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ. مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الِاشْتِرَاءِ لَهُ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ، وَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا صَحَّ. وَاللَّفْظُ هُنَا صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ الصَّحِيحِ، وَالنِّيَّةُ الْبَاطِنَةُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي مُقْتَضَيَاتِ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ النِّيَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الشُّرُوطِ أَوْ لَا تَكُونَ. فَإِنْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ لَزِمَ أَنَّهُ إذَا نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرَى وَلَا يَهَبَهُ وَلَا يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ نَوَى أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ نَوَى أَنْ لَا يُطَلِّقَ الزَّوْجَةَ أَوْ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ أَوْ لَا يُسَافِرَ عَنْهَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا حِينَئِذٍ وَهَذَا عُمْدَةُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّا إنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ فَهَذِهِ خُلَاصَةُ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْلَا أَنَّهُ كَلَامٌ يُخَيَّلُ لِمَنْ لَا فِقْهَ لَهُ حَقِيقَةً لَكَانَ الْإِضْرَابُ عَنْهُ أَوْلَى، فَإِنَّهُ كَلَامٌ مَبْنَاهُ عَلَى دَعَاوًى مَحْضَةٍ لَمْ يُعَضَّدْ بِحُجَّةٍ.

فَنَقُولُ فِي الْجَوَابِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ وَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ إنْ عَنَى بِهِ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ حُكْمُهُ، وَإِنْ صَدَرَ عَنْ مَعْتُوهٍ أَوْ مُكْرَهٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ أَعْجَمِيٍّ لَا يَفْقَهُهُ، وَإِنْ عَنَى بِهِ اللَّفْظَ الْمَقْصُودَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ اللَّفْظَ أَيْضًا، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا بِمُجَرَّدِ تَصَرُّفٍ شَرْعِيٍّ وَلَا إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ، بَلْ اللَّفْظُ الْمُرَادُ بِهِ خِلَافُ مَعْنَاهُ مَكْرٌ وَخِدَاعٌ وَتَدَلُّسٌ وَنِفَاقٌ. فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ فَالتَّكَلُّمُ بِهِ بِدُونِ مَعْنَاهُ اسْتِهْزَاءٌ بِآيَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَلَاعُبٌ بِحُدُودِهِ وَمُخَادَعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَإِنْ عَنَى بِالسَّبَبِ اللَّفْظَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ مَعْنَاهُ الَّذِي وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ فِي الشَّرْعِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُقَرَّرًا أَوْ مُغَيَّرًا، أَوْ عَنَى بِهِ اللَّفْظَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ مَا يُخَالِفُ مَعْنَاهُ، أَوْ اللَّفْظَ الَّذِي قَصَدَ مَعْنَاهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَذَكَرْنَا هَذَيْنِ لِيَدْخُلَ فِيهِمَا الْهَازِلُ، فَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ هَذَا حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ وَهُوَ لَا يَقْصِدُ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا لِيُحِلَّهَا فَلَمْ يَقْصِدْ بِلَفْظِ التَّزَوُّجِ الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرْعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015