لَهُ الثَّمَنُ وَكَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَرِي بَاطِلًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِعْبَادُهُمْ، وَأَشْبَهُ مِنْهُ بِمَسْأَلَتِنَا لَوْ كَانَ بِيَدِ الرَّجُلِ مَالٌ يَمْلِكُهُ مِثْلُ عَبْدٍ أَعْتَقَهُ فَبَاعَهُ لِرَجُلٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بَاطِلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَائِعِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَهُوَ حَلَالٌ فِي الظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَحِلُّ لَهُ الْمَبِيعُ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا الشُّهُودُ فَإِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى لَفْظِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَبِهِ يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ لَمْ يَشْعُرُوا بِنِيَّتِهِ لِلتَّحْلِيلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إثْمٌ، وَإِنْ عَلِمُوا ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ لَفْظِيَّةٍ أَوْ عُرْفِيَّةٍ، كَانَ كَمَا لَوْ عَلِمُوا أَنَّ الزَّوْجَ مُكْرَهٌ، فَتَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الشَّهَادَةُ عَلَى مِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ، كَمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الشَّهَادَةُ عَلَى عَقْدِ الرِّبَا وَالنِّحَلِ الْجَائِرَةُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ نِيَّةِ الزَّوْجِ فَهُنَاكَ لَا يَظْهَرُ التَّحْلِيلُ أَصْلًا فَلَا يَأْثَمُونَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَا ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ، وَلِهَذَا لَمْ يُلْعَنُوا فِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا صَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِي الظَّاهِرِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِالْقَصْدِ، كَمَا صَحَّحْنَا إسْلَامَ الرَّجُلِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِمَا فِي قَلْبِهِ، فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ تُعَبِّرُ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْمُطَابَقَةُ وَالْمُوَافَقَةُ، وَلَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نُنَقِّبَ عَمَّا فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا نَشُقَّ بُطُونَهُمْ، وَلَكِنْ نَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُمْ وَنَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنْ هُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ مُؤَاخَذُونَ بِنِيَّاتِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ، وَهَذَا بَيِّنٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إذَا اشْتَرَى بِنِيَّتِهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَ صَحَّ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، فَعُلِمَ أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ كَالشَّرْطِ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَنُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ نِيَّةٍ تُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ، وَنِيَّةٍ لَا تُنَافِيهِ، كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ شَرْطٍ يُنَافِي الْعَقْدَ وَشَرْطٍ لَا يُنَافِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ تُنَافِي الْعَقْدَ شَرْطًا وَقَصْدًا أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ يُنَافِيهِ شَرْطًا وَقَصْدًا. كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ أَظْهَرَ الْمُحَلِّلُ فِيمَا بَعْدَ الْعَقْدِ بِنِيَّتِهِ فِي الْعَقْدِ فَمَا الْحُكْمُ؟ .
قُلْنَا: إنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا ثَبَتَ هَذَا الْمُحْكَمُ فِي حَقِّ مَنْ صَدَّقَهُ فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ وَتَحْرُمُ عَلَى الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا مُرَاجَعَتُهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا صَدَاقَ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ مُصَدِّقَةً، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ الْوَاجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُهُ الْمَرْأَةُ وَالْمُطَلِّقُ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ التَّحْلِيلِ فِي حَقِّهَا، لَكِنْ إنْ كَانَ هَذَا الْإِقْرَارُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَوَجَبَ نِصْفُ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَمِيعُهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَعُودَ إلَى