وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فَإِنَّ الرَّسُولَ يَأْمُرُ بِمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَيَنْهَى عَمَّا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَيَفْعَلُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيُخْبِرُ بِمَا يُحِبُّ اللَّهُ التَّصْدِيقَ بِهِ؛ فَمَنْ كَانَ مُحِبًّا لِلَّهِ لَزِمَ أَنْ يَتْبَعَ الرَّسُولَ فَيُصَدِّقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ وَيُطِيعُهُ فِيمَا أَمَرَ وَيَتَأَسَّى بِهِ فِيمَا فَعَلَ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ فَعَلَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ؛ فَيُحِبُّهُ اللَّهُ؛ فَجَعَلَ اللَّهُ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ عَلَامَتَيْنِ: اتِّبَاعَ الرَّسُولِ؛ وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِهَادَ حَقِيقَتُهُ الِاجْتِهَادُ فِي حُصُولِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ وَمِنْ دَفْعِ مَا يَبْغُضُهُ اللَّهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} [التوبة: 24] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24] فَتَوَعَّدَ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ.
بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ قَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .
وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ نَفْسِي: فَقَالَ: لَا يَا عُمَرُ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْك مِنْ نَفْسِك فَقَالَ: فَوَاَللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ: الْآنَ يَا عُمَرُ» .
فَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِمُوَالَاةِ الْمَحْبُوبِ، وَهُوَ مُوَافَقَتُهُ فِي حُبِّ مَا يُحِبُّ، وَبُغْضِ مَا يَبْغُضُ، وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى، وَيَبْغُضُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُبَّ يُحَرِّكُ إرَادَةَ الْقَلْبِ، فَكُلَّمَا قَوِيَتْ الْمَحَبَّةُ فِي الْقَلْبِ طَلَب الْقَلْبُ فِعْلَ الْمَحْبُوبَاتِ، فَإِذَا كَانَتْ الْمَحَبَّةُ تَامَّةً اسْتَلْزَمَتْ إرَادَةً جَازِمَةً فِي حُصُولِ الْمَحْبُوبَاتِ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَيْهَا حَصَّلَهَا، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا فَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْفَاعِلِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ