رُبُوبِيَّةُ الرَّبِّ لَهُمْ فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ؛ وَلِهَذَا كَانَ الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ مُنِعَ سَخِطَ» فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدَ الدِّينَارِ، وَعَبْدَ الْقَطِيفَةِ، وَعَبْدَ الْخَمِيصَةِ.

وَذِكْرُ مَا فِيهِ دُعَاءٌ وَخَبَرٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ» وَالنَّقْشُ: إخْرَاجُ الشَّوْكَةِ مِنْ الرِّجْلِ، وَالْمِنْقَاشُ: مَا يُخْرَجُ بِهِ الشَّوْكَةُ، وَهَذِهِ حَالُ مَنْ إذَا أَصَابَهُ شَرٌّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ، وَلَمْ يَفْلَحْ لِكَوْنِهِ تَعِسَ وَانْتَكَسَ.

فَلَا نَالَ الْمَطْلُوبَ وَلَا خَلَصَ مِنْ الْمَكْرُوهِ، وَهَذِهِ حَالُ مَنْ عَبَدَ الْمَالَ، وَقَدْ وَصَفَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ «إذَا أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِذَا مُنِعَ سَخِطَ» كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58] فَرِضَاهُمْ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَسُخْطُهُمْ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهَكَذَا حَالُ مَنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِرِئَاسَةٍ أَوْ بِصُورَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَهْوَاءِ نَفْسِهِ إنْ حَصَلَ لَهُ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ سَخِطَ، فَهَذَا عَبْدُ مَا يَهْوَاهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ رَقِيقٌ لَهُ، إذْ الرِّقُّ وَالْعُبُودِيَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ رِقُّ الْقَلْبِ وَعُبُودِيَّتُهُ، فَمَا اسْتَرَقَّ الْقَلْبَ وَاسْتَعْبَدَهُ فَهُوَ عَبْدُهُ.

وَلِهَذَا يُقَالُ:

الْعَبْدُ حُرٌّ مَا قَنَعَ ... وَالْحُرُّ عَبْدٌ مَا طَمَعَ

وَقَالَ الْقَائِلُ:

أَطَعْتُ مَطَامِعِي فَاسْتَعْبَدَتْنِي ... وَلَوْ أَنِّي قَنَعْت لَكُنْت حُرًّا

وَيُقَالُ: الطَّمَعُ غُلٌّ فِي الْعُنُقِ قَيْدٌ فِي الرِّجْلِ، فَإِذَا زَالَ الْغُلُّ مِنْ الْعُنُقِ زَالَ الْقَيْدُ مِنْ الرِّجْلِ.

وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الطَّمَعُ فَقْرٌ، وَالْيَأْسُ غِنًى، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا يَئِسَ مِنْ شَيْءٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ.

وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يَيْأَسُ مِنْهُ لَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَطْمَعُ بِهِ، وَلَا يَبْقَى قَلْبُهُ فَقِيرًا إلَيْهِ، وَلَا إلَى مَنْ يَفْعَلُهُ، وَأَمَّا إذَا طَمِعَ فِي أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ وَرَجَاهُ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ، فَصَارَ فَقِيرًا إلَى حُصُولِهِ؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015