وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ بَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ كَمَنْ بَلَّغَ كَلَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، أَوْ أَنْشَدَ شِعْرَ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَنْشَدَ مُنْشِدٌ قَوْلَ لَبِيدٍ:

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ

أَوْ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ حَيْثُ قَالَ:

شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا

وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافَ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا

وَقَوْلَهُ:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... إذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنْ الْفَجْرِ سَاطِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ

أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ

وَهَذَا الشِّعْرُ قَالَهُ مُنْشِئُهُ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ، وَهُوَ كَلَامُهُ لَا كَلَامُ غَيْرِهِ بِحَرَكَتِهِ وَصَوْتِهِ، وَمَعْنَاهُ الْقَائِمِ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ إذَا أَنْشَدَهُ الْمُنْشِدُ وَبَلَّغَهُ عُلِمَ أَنَّهُ شِعْرُ ذَلِكَ الْمُنْشِئِ وَكَلَامُهُ وَنَظْمُهُ وَقَوْلُهُ، مَعَ أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ أَنْشَدَهُ بِحَرَكَةِ نَفْسِهِ، وَقَامَ بِقَلْبِهِ مِنْ الْمَعْنَى نَظِيرُ مَا قَامَ بِقَلْبِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ الصَّوْتُ الْمَسْمُوعُ مِنْ الْمُنْشِدِ، هُوَ الصَّوْتُ الْمَسْمُوعُ مِنْ الْمُنْشِئِ، وَالشِّعْرُ شِعْرُهُ لَا شِعْرُ الْمُنْشِدِ.

وَالْمُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَوَى قَوْلَهُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» بَلَّغَهُ بِحَرَكَتِهِ وَصَوْتِهِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّمَ بِهِ بِحَرَكَتِهِ وَصَوْتِهِ، وَلَيْسَ صَوْتُ الْمُبَلِّغِ صَوْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا حَرَكَتُهُ كَحَرَكَتِهِ، وَالْكَلَامُ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا كَلَامُ الْمُبَلِّغِ لَهُ عَنْهُ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْلُومًا مَعْقُولًا، فَكَيْفَ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ إذَا قَرَأَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] أَنْ يُقَالَ هَذَا الْكَلَامُ كَلَامُ الْبَارِئِ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْتُ صَوْتَ الْقَارِئِ.

فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْأَصْوَاتَ الْمَسْمُوعَةَ مِنْ الْقُرَّاءِ صَوْتُ اللَّهِ فَهُوَ ضَالٌّ مُفْتَرٍ، مُخَالِفٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015