وَقَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: 4] {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] . وَقَدْ فَسَّرَ السَّلَفُ السَّهْوَ عَنْهَا بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَبِتَرْكِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ فِيهِ، كَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ صَلَاةَ الْمُنَافِقِ تَشْتَمِلُ عَلَى التَّأْخِيرِ وَالتَّطْفِيفِ. قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: إنَّ الصَّلَاةَ مِكْيَالٌ، فَمَنْ وَفَى وُفِّيَ لَهُ، وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قَالَ اللَّهُ فِي الْمُطَفِّفِينَ. وَكَذَلِكَ فَسَرُّوا قَوْلَهُ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: 59] . قَالَ: إضَاعَتُهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا وَإِضَاعَةُ حُقُوقِهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَكْمَلَ الصَّلَاةَ بِطُهُورِهَا وَقِرَاءَتِهَا وَخُشُوعِهَا صَعِدَتْ وَلَهَا بُرْهَانٌ كَبُرْهَانِ الشَّمْسِ، وَتَقُولُ: حَفِظَك اللَّهُ كَمَا حَفِظْتنِي، وَإِذَا لَمْ يُكْمِلْ طُهُورَهَا وَقِرَاءَتَهَا وَخُشُوعَهَا فَإِنَّهَا تُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ، وَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا وَتَقُولُ: ضَيَّعَك اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتنِي» .
وَالْعَبْدُ وَإِنْ أَقَامَ صُورَةَ الصَّلَاةِ الظَّاهِرَةَ فَلَا ثَوَابَ إلَّا عَلَى قَدْرِ مَا حَضَرَ قَلْبُهُ فِيهِ مِنْهَا، كَمَا جَاءَ فِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُد، وَغَيْرِهِ: عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ لَيَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنْهَا إلَّا نِصْفُهَا، إلَّا ثُلُثُهَا، إلَّا رُبْعُهَا، إلَّا خُمُسُهَا، إلَّا سُدُسُهَا، إلَّا سُبُعُهَا، إلَّا ثُمُنُهَا، إلَّا تُسْعُهَا، إلَّا عُشْرُهَا» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك إلَّا مَا عَقَلْتَ مِنْهَا. وَإِذَا غَلَبَ عَلَيْهَا الْوَسْوَاسُ فَفِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا وَوُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلْعُلَمَاءِ: أَحَدُهُمَا: لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، وَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا ".