وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَكَانَ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قَبِيلَةِ عُمَرَ، وَقَالَ عَنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: يَحْضُرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَوَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ صُهَيْبٌ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْمِنْبَرِ قَالَ طَلْحَةُ: وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَهُوَ لِعُثْمَانَ وَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا كَانَ لِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَهُوَ لِعَلِيٍّ، وَقَالَ سَعْدٌ: مَا كَانَ لِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَهُوَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَخَرَجَ ثَلَاثَةٌ وَبَقِيَ ثَلَاثَةٌ، فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَنَا أَخْرُجُ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ يُوَلِّيَ أَفْضَلَهُمَا ثُمَّ قَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا يُشَاوِرُ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَيُشَاوِرُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُشَاوِرُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْمَدِينَةِ حَجُّوا مَعَ عُمَرَ، وَشَهِدُوا مَوْتَهُ، حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إنَّ لِي ثَلَاثًا مَا اغْتَمَضْت بِنَوْمٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ لِعُثْمَانَ: عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إنْ وَلَّيْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ وَلَّيْت عَلِيًّا لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ لِعَلِيٍّ: عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إنْ وَلَّيْتُك لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ وَلَّيْت عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت النَّاسَ لَا يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ. فَبَايَعَهُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ بَيْعَةَ رِضًى وَاخْتِيَارٍ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ أَعْطَاهُمْ إيَّاهَا وَلَا رَهْبَةٍ خَوَّفَهُمْ بِهَا.
وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ، فَلِهَذَا قَالَ أَيُّوبُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ وَقَدْ قَدَّمُوهُ كَانُوا جَاهِلِينَ بِفَضْلِهِ، وَإِمَّا ظَالِمِينَ بِتَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ دِينِيٍّ، وَمَنْ نَسَبَهُمْ إلَى الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ فَقَدْ أَزْرَى بِهِمْ. وَلَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُمْ قَدَّمُوا عُثْمَانَ لِضِغْنٍ كَانَ فِي نَفْسِ بَعْضِهِمْ عَلَى عَلِيٍّ وَأَنَّ أَهْلَ الضِّغْنِ كَانُوا ذَوِي شَوْكَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُهُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ، فَقَدْ نَسَبَهُمْ إلَى الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ، وَظُهُورُ أَهْلِ الْبَاطِلِ مِنْهُمْ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ هَذَا وَهْمٌ فِي أَعَزِّ مَا كَانُوا وَأَقْوَى مَا كَانُوا، فَإِنَّهُ حِينَ مَاتَ عُمَرُ كَانَ الْإِسْلَامُ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْعِزِّ وَالظُّهُورِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِائْتِلَافِ فِيمَا لَمْ يَصِيرُوا فِي مِثْلِهِ قَطُّ.
وَكَانَ عُمَرُ أَعَزَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ وَأَذَلَّ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ إلَى حَدٍّ بَلَغَ فِي الْقُوَّةِ وَالظُّهُورِ مَبْلَغًا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْأُمُورِ. فَمَنْ جَعَلَهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ جَاهِلِينَ أَوْ ظَالِمِينَ أَوْ عَاجِزِينَ عَنْ