«أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ: إنْ قُلْت غَفُورًا رَحِيمًا أَوْ قُلْت عَزِيزًا حَكِيمًا، فَاَللَّهُ كَذَلِكَ مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ، أَوْ آيَةَ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ» . وَهَذَا كَمَا فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورُ: إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا. وَإِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا، وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ. وَلَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ، وَبَلْ عَجِبْت، وَبَلْ عَجِبْت، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَمِنْ الْقِرَاءَاتِ مَا يَكُونُ الْمَعْنَى فِيهَا مُتَّفِقًا مِنْ وَجْهٍ، مُتَبَايِنًا مِنْ وَجْهٍ كَقَوْلِهِ: يَخْدَعُونَ وَيُخَادِعُونَ، وَيَكْذِبُونَ وَيُكَذِّبُونَ، وَلَمَسْتُمْ وَلَامَسْتُمْ، وَحَتَّى يَطْهُرْنَ وَيَطَّهَّرْنَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ الَّتِي يَتَغَايَرُ فِيهَا الْمَعْنَى كُلُّهَا حَقٌّ، وَكُلُّ قِرَاءَةٍ مِنْهَا مَعَ الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا كُلِّهَا، وَاتِّبَاعُ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْمَعْنَى عِلْمًا وَعَمَلًا، لَا يَجُوزُ تَرْكُ مُوجِبِ إحْدَاهُمَا لِأَجْلِ الْأُخْرَى، ظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ تَعَارُضٌ، بَلْ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ كَفَرٍ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ.
وَأَمَّا مَا اتَّحَدَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا يَتَنَوَّعُ صِفَةُ النُّطْقِ بِهِ كَالْهَمَزَاتِ وَالْمَدَّاتِ وَالْإِمَالَاتِ وَنَقْلِ الْحَرَكَاتِ وَالْإِظْهَارِ وَالْإِدْغَامِ وَالِاخْتِلَاسِ وَتَرْقِيقِ اللَّامَّاتِ وَالرَّاءَاتِ أَوْ تَغْلِيظِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُسَمَّى الْقِرَاءَاتِ الْأُصُولَ، فَهَذَا أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ وَلَا تَضَادٌّ، مِمَّا تَنَوَّعَ فِيهِ اللَّفْظُ أَوْ الْمَعْنَى، إذْ هَذِهِ الصِّفَاتُ الْمُتَنَوِّعَةُ فِي أَدَاءِ اللَّفْظِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا وَاحِدًا، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ فِيمَا اخْتَلَفَ لَفْظُهُ وَاتَّحَدَ مَعْنَاهُ، أَوْ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُ مِنْ الْمُتَرَادِفِ وَنَحْوِهِ، وَلِهَذَا كَانَ دُخُولُ هَذَا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا، مِمَّا يَتَنَوَّعُ فِيهِ اللَّفْظُ أَوْ الْمَعْنَى وَإِنْ وَافَقَ رَسْمَ الْمُصْحَفِ، وَهُوَ مَا يَخْتَلِفُ فِيهِ النَّقْطُ أَوْ الشَّكْلُ.
وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَنَازَعْ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ الْمَتْبُوعِينَ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يُقْرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الْمُعَيَّنَةِ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ شَيْخِ حَمْزَةَ، أَوْ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيِّ، وَنَحْوِهِمَا، كَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ الْمَعْدُودِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ، بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا قِرَاءَةَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَغَيْرُهُمْ يَخْتَارُونَ قِرَاءَةَ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْقَعْقَاعِ، وَشَيْبَةَ بْنِ نَصَّاحٍ الْمَدَنِيَّيْنِ، وَقِرَاءَةَ الْبَصْرِيِّينَ كَشُيُوخِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، وَغَيْرِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ