الرَّابِعُ: كَوْنُ الْفِسْقِ مَانِعًا يَقْتَضِي رُجْحَانَهُ عِنْدَ الْوَاقِفِ عَلَى الْمُقْتَضِي لِلْإِعْطَاءِ، فَإِذَا تَيَقَّنَّا رُجْحَانَهُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ تَرْجِيحُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْلَى مِنْ تَرْجِيحِ مَا لَمْ يُعْرَفْ رُجْحَانُهُ بِحَالٍ.
الْخَامِسُ: أَنَّ قَوْلَهُ: نَصَّ الْوَاقِفُ. إنْ عُنِيَ بِهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فَعَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ ظَاهِرٌ لَفْظُهُ أَيْضًا عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ عُنِيَ بِهِ النَّصُّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إمَّا عَدَدًا أَوْ عُمُومًا، وَالْعُمُومَاتُ ظَوَاهِرُ لَيْسَتْ نُصُوصًا.
السَّادِسُ: قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِمُحْتَمَلٍ مُتَرَدِّدٍ. نَقُولُ بِمُوجَبِهِ؛ فَإِنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَنَا إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ لَيْسَ بِمُحْتَمَلٍ مُتَرَدِّدٍ، بَلْ هُوَ نَصٌّ أَيْضًا بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ غَلَبَتُهُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] ، إلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 69] {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] وَهُوَ عَائِدٌ إلَى قَوْلِهِ: (يَلْقَ) وَ (يُضَاعَفْ) وَ (يَخْلُدْ) . وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160] .
وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [آل عمران: 87] {خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [آل عمران: 88] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 89] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] ، إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ قَدْ تَعَقَّبَ عِدَّةَ جُمَلٍ.
فَإِنَّ مَعْنَى الْجُمْلَةِ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي يَصِحُّ إخْرَاجُ بَعْضِهِ، وَهُوَ الِاسْمُ الْعَامُّ. أَوْ اسْمُ الْعَدَدِ؛ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْجُمْلَةَ الَّتِي هِيَ الْكَلَامُ الْمُرَكَّبُ مِنْ اسْمَيْنِ أَوْ اسْمٍ وَفِعْلٍ أَوْ اسْمٍ وَحَرْفٍ. وَقَدْ ثَبَتَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] فِي آيَةِ الْقَذْفِ عَائِدٌ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ، وَقَالَ النَّبِيُّ:
«لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ،