وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا أَكَلَتْ فَأْرَةً وَنَحْوَهَا، ثُمَّ وَلَغَتْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ. قِيلَ: إنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: نَجِسٌ مُطْلَقًا حَتَّى تُعْلَمَ طَهَارَةُ فَمِهَا. وَقِيلَ: إنْ غَابَتْ غَيْبَةً يُمْكِنُ فِيهَا وُرُودُهَا مَا يُطَهِّرُ فَمَهَا كَانَ طَاهِرًا وَإِلَّا فَلَا. وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: إنْ طَالَ الْفَصْلُ كَانَ طَاهِرًا، جَعْلًا لِرِيقِهَا مُطَهِّرًا لِفَمِهَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ، وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
21 - 5 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ غَمَسَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا مِنْ قِيَامِهِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، فَهَلْ هَذَا الْمَاءُ يَكُونُ طَهُورًا؟ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي غَسْلِ الْيَدِ إذَا بَاتَتْ طَاهِرَةً؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَّا مَصِيرُهُ مُسْتَعْمَلًا لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، اخْتَارَ كُلَّ وَاحِدَةٍ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَالْمَنْعُ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرِ أَتْبَاعِهِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.
وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي غَسْلِ الْيَدِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ خَوْفُ نَجَاسَةٍ تَكُونُ عَلَى الْيَدِ، مِثْلُ مُرُورِ يَدِهِ عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِجْمَارِ مَعَ الْعَرَقِ، أَوْ عَلَى زَبْلَةٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: إنَّهُ تَعَبُّدٌ وَلَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ. وَالثَّالِثُ: إنَّهُ مِنْ مَبِيتِ يَدِهِ مُلَامِسَةً لِلشَّيْطَانِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: