فَإِنَّ أَصْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مُرَاعَاةُ

مَصْلَحَةِ الْوَقْفِ

، بَلْ أَصْلُهُ فِي عَامَّةِ الْعُقُودِ اعْتِبَارُ

مَصْلَحَةِ النَّاسِ

، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالصَّلَاحِ وَنَهَى عَنْ الْفَسَادِ وَبَعَثَ رُسُلَهُ

بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ

وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا. وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142] . وَقَالَ شُعَيْبٌ: {إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: 35] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ - أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: 11 - 12] .

وَقَدْ جَوَّزَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إبْدَالَ مَسْجِدٍ بِمَسْجِدٍ آخَرَ لِلْمَصْلَحَةِ، كَمَا جَوَّزَ تَغْيِيرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَبْدَلَ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ الْقَدِيمَ بِمَسْجِدٍ آخَرَ، وَصَارَ الْمَسْجِدُ الْأَوَّلُ سُوقًا لِلْمَارِّينَ، وَجَوَّزَ أَحْمَدُ إذَا خَرِبَ الْمَكَانُ أَنْ يُنْقَلَ الْمَسْجِدُ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى، بَلْ وَيَجُوزُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ وَيُعَمَّرَ بِثَمَنِهِ مَسْجِدٌ آخَرُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ فِي الْقَرْيَةِ الْأُولَى، فَاعْتَبَرَ الْمَصْلَحَةَ بِجِنْسِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ الْقَرْيَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ جِنْسُ الْمَسَاجِدِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِعَيْنِهِمْ أَحَقُّ بِجَوَازِ نَقْلِهِ إلَى مَدِينَتِهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ.

فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنِينَ حَقٌّ لَهُمْ لَا يَشْرُكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ انْقِضَائِهِمْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَيَكُونُ كَالْمَسْجِدِ، فَإِذَا كَانَ الْوَقْفُ بِبَلَدِهِمْ أَصْلَحَ لَهُمْ كَانَ اشْتِرَاءُ الْبَدَلِ بِبَلَدِهِمْ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي فِعْلُهُ لِمُتَوَلِّي ذَلِكَ وَصَارَ هَذَا كَالْفَرَسِ الْحَبِيسِ الَّذِي يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِقِيمَتِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ إذَا كَانَ مَحْبُوسًا عَلَى نَاسٍ بِبَعْضِ الثُّغُورِ ثُمَّ انْتَقَلُوا إلَى ثَغْرٍ آخَرَ، فَشِرَاءُ الْبَدَلِ بِالثَّغْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مَضْمُونٌ أَوْلَى مِنْ شِرَائِهِ بِثَغْرٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ الْفَرَسُ حَبِيسًا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْمَسَاجِدِ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الْوَقْفَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015